Arts and CultureFeaturedالقافلة

هل وجد أحدكم عُلا؟

تقرير: آيه رضا الجوهري

@AyyaElgoharyy

عن الأحلام الوردية، وعن أن ينام المرء ويستيقظ بعد اثنتي عشر عامًا وقد تخطى عدة مراحل وأصبح من الفئات الآمنة كما أسماها خالد صالح في فيلمه “فبراير الأسود”. 

بطلتنا التي كانت تلهث جريًا وراء الميكروباص كي تدخر بقدر المستطاع ما يتبقى لها من راتب المستشفى الحكومية، تمتلك اليوم سيارة فارهة وقد تركت عملها منذ بضعة سنوات كي تلتفت لتربية صغارها. تحولٌ قد أثار رغبة البحث عن من كانت ومن أصبحت شخصيتنا الرئيسية.

 علا عبد الصبور—المتخوفة بشدة من أن يفوتها قطار الزواج —عادت من جديد في جزءٍ ثانٍ بعد حوالي اثنتي عشر عامًا من عرض الجزء الأول “عايزة أتجوز”.

من الجدير بالذكر أن الجزء الأول الذي تم عرضه في رمضان ٢٠١٠، كان يدور حول “علا” التي تسعى جاهدة أن تعثر على شريك حياتها في رحلة دارت ثلاثين حلقة في إطار كوميدي حول أسرتها المتوسطة ومحاولاتهم جميعًا لإيجاد فتى الأحلام المناسب.انتهى الجزء الاول بهروب “هشام” العريس المنتظر نظرًا لثأر كان عليه الفرار منه. 

عرضت منصة “نتفلكس” في الخامس من شهر يناير الماضي الإعلان الترويجي للجزء الثاني تحت عنوان “البحث عن علا” في ثوبه الجديد وفي أجواء وصفها البعض ب “الغريبة” نظرًا لظهور بعض التغيرات في طبيعية حياة علا من مستوى اجتماعي ومادي. ومن ثم ظهر”هشام” مرةً ثانيةً، ولكن في إطار جديد يعلن عن طلاقهما ورحلة تخطي”علا” لتلك الفترة.

 وقد لاقى الإعلان ردود أفعال متباينة غلب عليها التهكم من محاولات المنصة المتكررة في زج الطابع الغربي على مختلف أعمالها، ورأي آخرون أن مسلسل يدعم استقلالية المرأة لا يجب أن يوضع تحت بند التأثر بالغرب لأنها فوق كل شيء فكرة إصلاحية تستحق الانتشار بغض النظر عن الفكر السائد في المجتمع. 

لكن فور بدء إذاعة المسلسل، اختفت التساؤلات وتكوّنت الآراء لدى الجماهير، والتي أيضًا كان لها نصيبا من حيث التباين والتناقض.

دوامة الآراء  

ذكرت إيمان السعدني، طالبة بالسنة الثالثة بكلية الهندسة بالجامعة أنها حينما شاهدت الحملة الدعائية للمسلسل لأول مرة تملكتها أفكار وأحاسيس سيئة بأن “نتفليكس” ستقوم بتشويه العمل الأصلي ذي الطابع الدافئ وتضع طابعها المعتاد. 

أضافت السعدني “كنت أطمح لمشاهدة نفس الشخصيات في نفس البيئة، لكن المسلسل بالفعل أحدث تغييراً جذرياً في الشخصيات والبيئة. ولكني اعتبرت هذا التغير للأفضل لأنه أصبح متماشيًا مع ما نعيشه الآن.”

بالنسبة للنقلة الفكرية لدى عُلا، فأصبحت بمثابة حديث القرية في الآونة الأخيرة. تساؤلات مثل: كيف لعلا أن تضع الوشم؟ أو كيف لها أن ترتدي بدلة رقص؟ هل من الطبيعي أن تستخدم تطبيقات المواعدة؟ اتفق البعض على أن الدكتورة الصيدلانية ابنة الطبقة المتوسطة لم يكن من شيمها أبدًا أن ترتكب مثل تلك الأفعال الغريبة البحتة، بينما لم يري البعض الآخر أي تعارض. 

تعتقد السعدني أن “النقلة الفكرية مقنعة لأن علا ظلت ثلاثة عشر عاماً متزوجة من “هشام” القادم من طبقة اجتماعية غنية٬ وتعتبر تلك الفترة التي كانت محاطة بأناسٍ من هذه الطبقة وعاداتهم وأسلوب حياتهم كافية في رأيي لتبرير تلك النقلة الفكرية”.

على خلاف ذلك، يرى كريم أشرف، طالب بالسنة الثالث٬ بكلية الهندسة بجامعة عين شمس، أن تلك النقلة لم تكن مبررة. فعبر عن رأيه قائلًا “لم تقنعني النقلة الطبقية لعلا سواء اجتماعيًا أو ماديًا. فعمل زوجها ليس بكافي ليوفر لهم تلك الحياة الكريمة مع الأخذ في عين الاعتبار أنها تركت عملها. هذا بالإضافة إلى أن “هشام” رجلًا قد نشأ في الصعيد وعائلته التي ظهرت في “البحث عن علا” لا تتسق تمامًا مع الشخصية التي عهدناها في آخر حلقات الجزء الأول”.

وتعتقد آية صالح، طالبة بالسنة الثانية بكلية إدارة الأعمال بالجامعة، أنها رأت من خلال  منصة “نتفلكس” علا جديدة لم تعهدها من قبل٬ فظهرت كشخصية ضعيفة ذات تصرفات وأفكار لا تتوافق مع ابنة عبد الصبور ذات الثلاثين عامًا. 

وعلى ذكر سن علا، فقد أشارت يُمنى المازني، طالبة بكلية الفنون البصرية تخصص صناعة الأفلام بالجامعة، أنها لاحظت بعض المشاكل في السيناريو، مثل علاقة  “صوفي” الانفلونسير التي ولدت في عام ٢٠٠٢ “بآدم” صاحب الاثنين وثلاثين عامًا مما قد يحوي بشُبهة “بيدوفيليا” وهي العلاقة ما بين من هم/هن تحت السن مع شخص بالغ. وأضافت المازني أنها لم تفهم ما يحاول المسلسل إيصاله من خلال تلك العلاقة  التب من وجهة نظرها “مريبة”.

كما قالت المازني”لا أنكر أن أكثر ما لفت نظري في المسلسل هي رسالته الصريحة بأننا لن نجد الحب إلا حين نتوقف عن البحث عنه ونبدأ في البحث عن ذاتنا. المسلسل برغم ثغراته يحمل رسالة مهمة ذات طابع نسائي تتوافق تمامًا مع توجهات المجتمع مؤخرًا”. واكدت انه يحمل رسالة قوية للنساء وخاصة الفئة التي يضعها المجتمع تحت خانة الأربعينيات؛ ويطلق عليها اسماء مثل سن اليأس و أزمات منتصف العمر. 

هل الواقعية مطلوبة دائما؟

أتُهم المسلسل بأنه غير واقعي لعدة  أسباب, منها وجود كثير من شخصيات المسلسل “الرجال” الذين على أتم استعداد لمد يد العون لعلا أو مثلًا بأن مشاكل علا هي رفاهية شديدة بالنسبة للنساء المطلقات الأقل حظاً. فليست كل من انفصلت عن زوجها كان الزوج مسؤولًا بالشكل الكافي الذي يتضطره لتحمل مسئولية أولاده بعد الطلاق.

 وهذا بعينه ما جعل الشق الأكبر من مشاكل عُلا معنوية —وهذا لا يقلل من معاناة “علا”—ولكن لم يكن واقعيا أن تنحصر مشاكلها في حالتها النفسية. كذلك، لم يكن واقعيا أن تصبح سيدة أعمال في فترة قصيرة دون الإشارة لكثير من التحديات التي تواجه أصحاب المشاريع الخاصة وخاصة الصغيرة(start-ups).

تعتقد منار خالد، الناقدة الفنية بعدة منصات أهمها مجلة إبداع ورصيف ٢٢، بأنها ضد التداعيات التي تنفي العلاقة بين الواقعية ونقل الأشياء كما هي دون لمسة فنية. فقالت أن “الواقعية مفهوم فيه شيء من اللبس عند الكثير من الجمهور، فالواقعية هي تيار فني ولا يعني أبدًا نقل الواقع نقل حرفي، أو مسايرته بأدق تفاصيله، نحن نتوجه في الأول والأخر إلى دراما، والدراما ما هي إلا فرضية. وهذا ما فعلته مؤلفة العمل، افترضت وجود شخصية علا -ذات الأبعاد المعروفة- في بيئة جديدة ومع ظروف حياتية جديدة ومن ثم بدأت في رصد تصرفاتها وأفعالها”.

وعلى ذكر شخصية علا فترى خالد أيضًا “أن صناع المسلسل أشاروا في تصريحات عديدة أن المسلسل لم يكن بجزء جديد ل”عايزة أتجوز”، أي أن المسلسل استخدم “علا” كشخصية ارتبط بها الجمهور٬ لكن الأحداث جميعها مختلفة من حيث السياق والهدف”.