Featuredالقافلة

ذاكر وإحفظ وإدرس وإنجح، هكذا الحال في الثانوية العامة

يوم تقليدي في حياة طالب ثانوي ما بين السنتر والآخر ]هاني سلامة[
[يوم تقليدي في حياة طالب ثانوي ما بين السنتر والآخر [هاني سلامة

تقرير ميرنا صقر

يُقاس ازدهار الأمم بجودة منظومة التعليم فيها؛ لأنَّ العلمَ هو أحد أعمدة بناء الأمم وتقدمها، فإحدى مشاكل منظومة التعليم وأخطرها في مصر هي مرحلة الثانوية العامة، حيث تُعد من أصعب المراحل الدراسية؛ لأنَّها بالنسبة للطالب عنق الزجاجة الذي يحدد مستقبله.

الثانوية العامة هي الشهادة التي يحصل عليها الطالب في مصر بعد إتمامه مرحلة التعليم الثانوي، والتي تؤهله للتعليم الجامعي.

يشتكي الأهل، والطلاب دائمًا عند الوصول لمرحلة الثانوية العامة، ويصفونها بكابوسٍ يُؤرّقهم؛ لأنَّهم يعتبرونها من أصعب المراحل الدراسية في حياة الطالب المصريّ.

الثانوية العامة هي حصاد السنين بالنسبة للأسرة المصرية حيث يجاهد الطالب الضغط النفسيّ للأهل من ناحية، والمنهج المتكدس من ناحية أخرى. وقد ظهر ذلك جليًّا في تَكرار حالات الإغماء، والانهيار العصبيّ الذي يعانيه الطلبة عقب كل امتحان.

يرى بعض من الناس أنَّ منظومة التعليم بأكملها ضعيفة، والمسئول الأول عن ذلك هي الدولة، وتلك المشاكل المذكورة لمرحلة الثانوية العامة ترجع إلى السياسات الخاطئة التي توارثتها الحكومات المتعاقبة دون النظر إلى التطور الهائل الذي شهدته المناهج العلمية، والنظم التعليمية في بقاع مختلفة من العالم.

قال الدكتور كمال مغيث، الخبير التربوي لجريدة وطني: ” المناهج سيئة للغاية حيث أنَّها لا تدعو للتفكير، والتأمل، ولا تخلق تعاونًا بين الطلبة حتى تجعلهم يعيشون حياة مدرسية جميلة. بل قائمة على وجود عنصر التنافس الذي يصل إلى الصراع، ويدخل فيه مَن له قدرة أكثر على الدفع، وقدرة أفضل على الغش، وقدرة أحسن على تحمل تهديد المعلمين.”

اتفقت في الرأي أمل سامي، مدرسة علوم بإحدى المدارس بمنطقة الشهداء في محافظة المنوفية، وأوضحت أن من أكبر المشكلات التي يواجهها الطلاب بالثانوية العامة بالإضافة إلى تكدس المعلومات، هي عدم وجود أي مجال للتفكير، والإبداع.

وصف مغيث نظام امتحانات الثانوية العامة أنه “منحط”، وقال: “لأنه نظام قائم فقط على المعلومات، وليس على قدرته على الرجوع للمراجع، ومهارات الاتصال، والتعبير، والقدرة على الكتابة بطريقة مقنعة، أوالقدرة على التعاون مع الزملاء من خلال مشاريع.”

قال أحمد مبروك، موجه مادة الكيمياء بإحدى المدارس الحكومية في القاهرة”إن نظام التعليم المصريّ من خلال منهجه والسياسات العامة المنوطة بتطوير التعليم، بحاجة إلى ثورة كبيرة تتبنى تغييرًا شاملًا يهدف إلى بث روح الإبداع، وإطلاق الطاقات المكنونة لدى الشباب، حتى يكون الإبداع، وحرية الفكر هما مقياس النجاح، والحصول على أعلى الدرجات دون الاعتماد فقط على كم التحصيل.

في هذا الصدد، عقد الهلالي الشربيني، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، اجتماعًا يوم الثلاثاء ١٢ أبريل ٢٠١٦م مع اللجان الفنية لتطوير، وتعديل مناهج اللغة العربية، والدراسات الاجتماعية، والفلسفة، وعلم النفس، والتربية الوطنية للعام الدراسيّ القادم2016 م/ 2017م بحضور ممثلين عن المعلمين، والطلاب، ومجالس الآباء، والمفكرين، والأكاديميين.

قالت (م.م): موجهة لغة إنجليزية في مدرسة الأزهر:”إن مشكلة الثانوية العامة لا تقتصر فقط على مناهج المواد، ولكن المشكلة الحقيقية هي عدم تطبيق نظام الغياب، والحضور. فأغلب الطلاب يلجأون إلى الدروس الخصوصية مما جعل أنظمة المدارس التابعة للحكومة غير فعّالة”.

وأعربت (م.م)، “الطلاب بالثانوية العامة لا يهتمون بحضور الفصول حتى إذا كان إلزاميًا؛ لأنَّ المدرسين أنفسهم يهتمون فقط بالعمل الخارجي في الدروس الخصوصية. مع العلم أن بعض المدرسين هم جزء لا يتجزأ من مشكلة هذا النظام بسبب إهمالهم، وعدم اهتمامهم بما يعود بالنفع على الطلاب، بل هم مهتمون فقط بجذب المزيد من المال.”

وأضافت (م.م) أن عندما طبقت المدارس نظام الغياب، والحضور، بدأ الطلاب بإعطاء رشوة للمدرسين حتى يسجلوا حضور الطلاب الغائبين؛ دليلاً على أن مشكلة التعليم العام هي أيضًا فساد بعض المدرسين والمسؤولين.

قالت سامي: إن الطلاب يُجبرون على حفظ المناهج من الغلاف إلى الغلاف؛ ليحصلوا على أعلى الدرجات الممكنة لتأهيلهم للالتحاق بكليات القمة.

قالت نادين إيهاب، طالبة بالثانوية العامة في مدرسة أهرامات اللغات: “أدعو إلى الله صباحًا، ومساءً انتهائي من هذا الكابوس المفزع حتى أتمكن أخيرًا من النوم بعمق.”

وأضافت إيهاب أنها تُعاني ضغطا عصبيًا شديدًا من الأهل للالتحاق بإحدى كليات القمة، ولكن هذه مهمة صعبة المنال بسبب تكدس المناهج، واعتمادها على الحفظ دون الفهم. علمًا بأن إجمالي مجموع الطالب في الثانوية العامة يحدد الكلية التي يمكن الالتحاق بها.

ومن ناحية أخرى أعربت داليا عوف، وهي والدة طالب في الثانوية العامة في مدرسة النصر للغات بالإسكندرية، أن أمنية حياتها كانت الالتحاق بإحدى كليات الطب؛ ولكنها لم تتمكن من ذلك. كانت رغبتها هنا أن يحقق ابنها هذا الحلم لما وجدت فيه من النبوغ، والشغف لدراسة المواد العلمية، ولذلك كان شغلها الشاغل أن تجعل هذا الحلم حقيقة من خلال ابنها.

وكان من رأي مازن محمد، طالب بقسم الهندسة بجامعة الإسكندرية وطالب ثانوية عامة سابقًا، أن إذا عاد به الزمن كان بالتأكيد اختار الالتحاق بالنظام البريطانيّ؛ لأنه عبارة عن مجموعة مناهج مكثفة تعتمد أكثر على الفهم، وليس الحفظ.

وقال محمد: “أنا على يقين بأن النظام البريطانيّ هو أكثر فعالية بكثير بالمقارنة بنظام الثانوية العامة؛ لكنه نظام مكلف جدًا فيجب على الحكومة أن تطور نظام التعليم؛ لأن معظم الناس لا تستطيع تحمل المصاريف المكلفة للتعليم الأجنبيّ.”

ومن ناحية أخرى، ذكر عمر حسن، طالب بقسم الاقتصاد بالجامعة الأمريكية، وطالب بالثانوية العامة سابقًا، أن الأنظمة الأجنبية عامةً ليست الحل لمشكلة التعليم بمصر، بل الحل الوحيد، والأمثل هو تطوير التعليم المصريّ حتى يكون في مستوى التعليم الأجنبي.

وأضاف حسن، “نحن شعبٌ عربيٌّ، وينبغي أن يكون لنا نظام تعليمي يعكس ثقافتنا، وليس نظامًا أجنبيًا يعلمنا خصائص ثقافات أخرى.”