FeaturedSpotlightالقافلة

وزير التعليم للقافلة: انتظروا تغييرات جذرية في ٢٠١٧

المعادلة السليمة تَكمُن في الجمع بين فضول الأطفال ومرونة الشباب وحكمة الكبار خلال مشوار الحياة (صورة للنشر من الجامعة الأمريكية بالقاهرة)
(المعادلة السليمة تَكمُن في الجمع بين فضول الأطفال ومرونة الشباب وحكمة الكبار خلال مشوار الحياة (صورة للنشر من الجامعة الأمريكية بالقاهرة

تقرير ياسمين نبيل

بعد مشواراً طويلاً حافلاً في مجال التعليم، وبعد أن شغل مناصب عدة منها رئاسة المكتب الإقليمي لليونسكو، ورئاسة المكتب الاستشاري للرئيس في شئون التعليم، وعمادة كلية العلوم والهندسة بالجامعة الأمريكية، عُيّنَ دكتور طارق شوقي وزيراً للتربية والتعليم، في التعديل الوزاري الأخير. خص الدكتور شوقي القافلة بهذا الحديث، الذي تعرفنا فيه عليه، وعلى رؤيته للتعليم.

س: في البداية، كيف استقبلت خبر تعيينك وزيرا للتربية والتعليم، خاصة في ظل الظروف الحالية وما تعانيه الدولة من مشكلات سواء في التعليم والاقتصاد وغيرهما؟

كانت لدي مشاعر مختلطة. بعد عامين من العمل مع الرئاسة في مجال التعليم، كان لدينا إحساس بأننا وجدنا حلولاً كثيرة وكان لدينا آمالا عريضة، فكان تعييني بمثابة فرصة لتحقيقها. لكن يبقى الخوف من البيروقراطية ومن المشاكل التي واجهت من سبقوني ويبقى السؤال هل يمكننا التعامل مع ذلك والتغلب عليه؟ لكن الذي انتصر في النهاية هو إحساسي بالمسئولية ورغبتي في تحدٍ جديد. نجاح هذا التحدي سيؤثر على أجيالاً كاملة وليس شخصا أو اثنين، وهذا ما حاولت فعله طوال عمري، أن أترك أثرا إيجابياً ممتداً.

س: كيف شعرت حيال ردود الأفعال الإيجابية التي تلت تعيينك؟

فاجأتني ردود الأفعال الإيجابية التي لم أتوقعها. أشعر أنني مديناً للناس ولكن يشعرني ذلك بمسؤولية مضاعفة تجاه الأشخاص الذين جعلوني محل ثقتهم، إضافة إلى ثقة الرئيس فيّ عندما عينني. كما أتلقى رسائل أيضاً من أطفال بالمدارس مما يشعرني بالدفء والمسئولية الضخمة في الوقت ذاته.

س: في رأيك، ما أكبر التحديات التي تواجه التعليم في مصر؟

أكبر المعوقات هو حجم التنفيذ الذي نعمل عليه، لأن المقياس الذي نعمل عليه ضخم. فأنت لديك أكثر من ٥٠ ألف مدرسة. عدد المدرسين ومشاكلهم أكثر من ١٫٢ مليون. لدينا عدد هائل من موظفي الموارد البشرية حوالي ٦٠٠٠. على سبيل المثال، حجم النظام التعليمي في سنغافورة التي نعجب بها، صغير جداً، يكاد يكون أصغر من حجم النظام التعليمي بمحافظة الجيزة وحدها، فالمقارنة بيننا وبينهم ليست عادلة.

التحدي الأكبر هو التنظيم الإداري، وهو أول ما سنعمل عليه مع توزيع المهام على أشخاص كفء حتى لا ننشغل في العمل الورقي وآلاف الرسائل لدرجة كبيرة لا تمكننا أحيانا من متابعة فعالية مجهوداتنا على أرض الواقع.

المشكلة الكبرى هي البيروقراطية وسنعمل على استعمال التكنولوجيا في الوزارة بدلا من الطريقة القديمة البطيئة للتواصل.

س: كيف تصف التعليم في مصر؟

أحب تشبيه التعليم في مصر بالسفينة الكبيرة التي تحمل على متنها ٢٠ مليون طالباً وأكثر من مليونين من المعلمين والإداريين. يوجد بالسفينة خروق كبيرة كما أن الخدمات بها سيئة والطعام ليس جيداً. نتسارع جميعا لسد تلك الخروق التي تظهر وتهدد بغرق السفينة. تلك الخروق هي المشاكل التي تظهر طوال الوقت، كالغش في الثانوية العامة ومصاريف المدارس الخاصة وغيرهم الكثير، وهي تعطلنا عن مسيرتنا، ولكن علينا سدها أولا بالرغم من أنها ليست هدفنا الأساسي.

س: هل يمكنك توضيح نظام الامتحان الجديد للثانوية العامة الذي يسمى “البوكليت”؟

لا يستحق نظام البوكليت كل تلك الضجة التي أحدثها. نظام البوكليت بسيط ولا يختلف عن الامتحان المعتاد. الفارق هو أن ورقة الإجابة تحتوي على الأسئلة وتحتها مساحة بيضاء للإجابة عليها في نفس الورقة، بدلا من وجود ورقتين منفصلتين، واحدة للأسئلة وأخرى للإجابة. سنعمل على منع الغش من خلال تغيير ترتيب الاسئلة من ورقة امتحان لأخرى. الموضوع بسيط وكل ذلك الحديث الكثير عنه والقلق حوله في غير محله. فمثلا تعد تلك المشكلة من الخروق في السفينة التي تحدثت عنها سابقاً.

س: ماذا يأتي بعد سد الخروق الموجودة في السفينة؟

سأسير في عدة مسارات، أولها قيادة السفينة بأمان للبر، من خلال تطوير المناهج وتأهيل المعلمين وتحديث بنية الفصول. أما المسار الثاني الموازي، هو حل المشكلات الكبيرة الأزلية، أولها مشكلة الثانوية العامة. علينا على الأقل تغيير نظام التقييم في الثانوية العامة، فلا يعقل أن يوضع كل الثقل على امتحان واحد يحدد مستقبلك ومصيرك ولذلك سنعمل على نظام للتقييم التراكمي خلال سنوات الثانوية العامة الثلاث، وبذلك نتخلص من مشكلة التنسيق والدروس الخصوصية ونعطي الطلاب فرص كثيرة لتطوير أنفسهم خلال الثلاث سنوات بدلاً من فرصة واحدة. بالنسبة لي، هذا الإنجاز لو تحقق فهو كافياً لدرجة تجعلني أستقيل بعدها مستريحاً.

س: كيف ستتغلب على مشكلة الارتفاع الكبير لمصاريف المدارس الخاصة؟

نعمل حالياً على دراسة تفصيلية لوضع قائمة للمدارس الدولية والخاصة في مصر، لجودة التعليم وحجم المصاريف بهم وإلى آخره. وفي خلال عشرة أيام، سننظر إلى تلك القائمة ونضع في عين الإعتبار محورين. أولا، التأكد من أن الوزارة تقوم بدورها كجهة مانحة للتراخيص لتلك المدارس، من خلال معاينة جودة التعليم في تلك المدارس والتأكد من أن أولياء الأمور يحصلون على خدمة جيدة مقابل الأموال التي يدفعونها. ثانيا، النظر في القوانين التي تحدد العلاقة بين الوزارة والقطاع الخاص والتوصل إلى حلول عادلة ترضي جميع الأطراف، سواء المدارس أو أولياء الأمور، خاصة بعد انخفاض قيمة الجنيه.

س: كيف ستستعيد جودة المدارس الحكومية التي ذكرت أنك التحقت بها في سنواتك الدراسية؟

النظام مترسخ ومعقد والمناهج قديمة وتتطلب حفظاً كثيرا وإجابة واحدة نموذجية، والمعلمين يُدرسون بهذه الطريقة منذ سنوات عديدة. فكل ذلك يتطلب تغييراً كبيراً في الثقافة بأكملها وسوف يتطلب ذلك البدء من الصفر والعمل على نظام جديد بأكمله وهذا هو حلم الناس الذي ينتظرونه. أُسمي حلمنا هذا النسخة الثانية من التعليم والحل الوحيد أن نعمل عليه بالتوازي مع معالجة عيوب النظام الحالي أو النسخة الأولى من التعليم.

س: ما رؤيتك لتلك النسخة الجديدة من التعليم؟

تعتمد تلك النسخة أكثر على التفكير الإبداعي والتحليل والعمل الجماعي وبناء شخصية الطالب واستعمال نظام بنك المعرفة التكنولوجي بدلاً من الفلسفة القديمة للحفظ والتلقين ونظام الكتب المطبوعة. نعمل أيضاً على تدريب المعلمين وتأهيلهم لتعليم الطلاب بتلك الطريقة لنقدم نسخة جديدة من التعليم للطلاب في المراحل الأولى للدراسة، لأننا لا يمكن بناء ذلك فوق النظام القديم.

س: ماذا أضافت لك سنوات عملك بالجامعة الأمريكية؟

الجامعة الأمريكية هي نموذجاً للتعليم الجيد، وكانت تجربة اطلعتني على الكثير. مَكنَتني الجامعة من تحقيق التوازن ما بين مجال دراستي الأساسي، وهو الهندسة، وبين المجالات الأخرى التي كنت مهتما بها، كالتكنولوجيا والمالية والسياسية وغيرها. كما أن إدارة الجامعة فعالة ونظامها دقيق ومنظم والعاملين بها، ومعظمهم من المصريين، على كفاءة عالية.

المعادلة السليمة برأيي تَكمُن في الجمع بين فضول الأطفال ومرونة الشباب وحكمة الكبار خلال مشوار الحياة. يجب أن نحكم على أنفسنا من خلال ما نقدمه للآخرين وليس ما نقدمه فقط لأنفسنا. فأنا أسأل نفسي يوميا، فيما أفدت غيري؟ وذلك تحديداً ما يعطيني رغبة في الاستمرار. فإن العطاء ليس له حدود والتعلم أيضاً ليس له حدود.