Opinion

أنا كمـان فـي أخــطـر مـديـنـة للنـسـاء بالعـالـم

تصدرت‭ ‬مدينة‭ ‬القاهرة‭ ‬المركز‭ ‬الأول‭ ‬بلائحة‭ ‬مؤسسة‭ ‬رويترز‭ ‬لأخطر‭ ‬المدن‭ ‬للسيدات‭. ‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬وقع‭ ‬هذا‭ ‬الخبر‭ ‬صادما‭ ‬لي‭ ‬بصراحة،‭ ‬بل‭ ‬لن‭ ‬أنكر‭ ‬أنني‭ ‬شعرت‭ ‬ببعض‭ ‬من‭ ‬الراحة‭ ‬بمعرفتي‭ ‬أن‭ ‬معاناة‭ ‬نساء‭ ‬مصر‭ ‬هي‭ ‬أصعب‭ ‬معاناة‭ ‬عالميا‭ ‬لأنني‭ ‬حقا‭ ‬لا‭ ‬أتخيل‭ ‬وضعا‭ ‬أسوأ‭ ‬من‭ ‬هذا‭. ‬

صادف‭ ‬هذا‭ ‬الخبر‭ ‬عودة‭ ‬انتشار‭ ‬هاشتاج‭ #‬أنا‭ ‬كمان‭ ‬أى‭ ‬أنا‭ ‬أيضا‭ ‬تعرضت‭ ‬للتحرش‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬إظهار‭ ‬التضامن‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬ضحايا‭ ‬التحرش‭ ‬بجميع‭ ‬أنواعه‭. ‬فالغرض‭ ‬من‭ ‬الهاشتاج‭ ‬هو‭ ‬تكاتف‭ ‬جميع‭ ‬السيدات‭ ‬سويا،‭ ‬رابطين‭ ‬حكاياتهم‭ ‬ومآسيهم‭ ‬للتوعية‭ ‬ولإبراز‭ ‬خطورة‭ ‬القضية‭.‬

مع‭ ‬أنني‭ ‬أعلم‭ ‬جيدا‭ ‬حجم‭ ‬مشكلة‭ ‬التحرش‭ ‬بمصر،‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬لماذا‭ ‬هلعت‭ ‬بعد‭ ‬قرائتي‭ ‬للحكايات‭ ‬التي‭ ‬سردتها‭ ‬السيدات‭ ‬المصرية‭ ‬من‭ ‬الأعمار‭ ‬والفئات‭ ‬المختلفة‭. ‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬توتري‭ ‬الدائم‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬المماثلة،‭ ‬اكتشفت‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬أتناسى‭ ‬مدى‭ ‬قربها‭ ‬مني‭ ‬ومن‭ ‬كل‭ ‬الفتيات‭ ‬من‭ ‬حولي‭.‬

فلم‭ ‬تعد‭ ‬قضايا‭ ‬التحرش‭ ‬الجنسي‭ ‬الصريحة‭ ‬تخص‭ ‬تلك‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬نتابعها‭ ‬فى‭ ‬الأخبار‭ ‬فقط‭. ‬بل‭ ‬اتضح‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬خطوة‭ ‬‮«‬مد‭ ‬اليد‮»‬‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬خطوة‭ ‬بعيدة‭ ‬كما‭ ‬ظننت‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬أقنع‭ ‬نفسي‭ ‬من‭ ‬قبل‭.‬

دائما‭ ‬ما‭ ‬استخدمنا‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬التحرش‭ ‬الجنسي‮»‬‭ ‬وطالما‭ ‬ارتعبنا‭ ‬منه‭ ‬فى‭ ‬الشوارع،‭ ‬لكن‭ ‬مازلت‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬تخيل‭ ‬مدى‭ ‬انتشاره‭ ‬ومدى‭ ‬بساطته‭ ‬بالنسبة‭ ‬للبعض‭.‬

جاء‭ ‬هذا‭ ‬الهاشتاج‭ ‬وكسر‭ ‬كل‭ ‬شئ،‭ ‬فلم‭ ‬أقرأ‭ ‬الحكايات‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬بدأت‭ ‬صديقات‭ ‬لي‭ ‬بسرد‭ ‬حكايات‭ ‬مروعة‭  ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أتوقعها‭ ‬تماما‭.‬

حينها‭ ‬شعرت‭ ‬خطأ‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬لا‭ ‬تخاطبني‭ ‬حيث‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أتعرض‭ ‬لمثل‭ ‬تلك‭ ‬الحوادث‭ ‬المفجعة،‭ ‬ولكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬أدركت‭ ‬الصورة‭  ‬كاملة‭.‬

فتذكرت‭ ‬مئات‭ ‬المرات‭ ‬التي‭ ‬قررت‭ ‬أن‭ ‬أسلك‭ ‬فيها‭ ‬طريقا‭ ‬أطول‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬أمر‭ ‬بجوار‭ ‬شلة‭ ‬الشباب‭ ‬الغير‭ ‬مريحة‭. ‬

تذكرت‭ ‬تنبيهات‭ ‬والدي‭ ‬لي‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬كنت‭ ‬بالصف‭ ‬السادس‭ ‬الابتدائي‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬زلت‭ ‬أتبعها‭ ‬كلما‭ ‬نزلت،‭ ‬‮«‬لما‭ ‬تمشي‭ ‬فى‭ ‬الشارع،‭ ‬تمشي‭ ‬بسرعه‭ ‬كأنه‭ ‬قدامك‭ ‬هدف‭ ‬ومتلتفتيش‭ ‬كتير‭ ‬عشان‭ ‬متديش‭ ‬فرصه‭ ‬لحد‭ ‬يضايقك‭.‬‮»‬

تذكرت‭ ‬سيارات‭ ‬النصف‭ ‬نقل‭ ‬المكتظة‭ ‬بالعمال‭ ‬التي‭ ‬أحيانا‭ ‬ما‭ ‬أضطر‭ ‬للقيادة‭ ‬ورائها‭ ‬بالطرق‭ ‬الضيقة،‭ ‬محاولة‭ ‬ألا‭ ‬أعير‭ ‬انتباهي‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يحاولون‭ ‬قوله‭ ‬أو‭ ‬فعله‭ ‬عندما‭ ‬يرون‭ ‬فتاة‭ ‬خلف‭ ‬الديركسيون‭.‬

تذكرت‭ ‬اتصالات‭ ‬المعاكسات‭ ‬المشمئزة‭ ‬التي‭ ‬لازالت‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬لا‭ ‬أفهم‭ ‬غرضها‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬المتعة‭ ‬فيها‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهم‭.‬

تذكرت‭ ‬لحظات‭ ‬الرعب‭ ‬والضعف‭ ‬والمهانة‭ ‬التي‭ ‬أشعر‭ ‬بها‭ ‬عندما‭ ‬يقرر‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬السير‭ ‬ورائي‭ ‬بدون‭ ‬سبب‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬بالأسواق‭ ‬التجارية‭. ‬

تذكرت‭ ‬سخطي‭ ‬علي‭ ‬إحدى‭ ‬الأندية‭ ‬الرياضية‭ ‬وامتناعي‭ ‬عن‭ ‬الذهاب‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬صغري‭ ‬عندما‭  ‬اشتكيت‭ ‬من‭ ‬سلوكيات‭ ‬بعض‭ ‬الشباب‭ ‬وكان‭ ‬رد‭ ‬الأمن‭ ‬هو‭ ‬السخرية‭ ‬والضحك‭ ‬معهم‭.‬

تذكرت‭ ‬التعليقات‭ ‬السخيفة‭ ‬والكلمات‭ ‬المقززة‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬سمعتها‭ ‬من‭ ‬أطفال‭ ‬طولهم‭ ‬نصف‭ ‬طولي‭ ‬بالشارع‭ ‬وغيره‭ ‬وغيره‭…‬

فكيف‭ ‬لا‭ ‬تخاطبني‭ ‬الحركة‭ ‬وأنا‭ ‬شعرت‭ ‬بكل‭ ‬ذلك‭ ‬أيضا؟‭ ‬مثلما‭ ‬يؤلم‭ ‬التحرش‭ ‬الجسدي،‭ ‬يؤلم‭ ‬أيضا‭ ‬اللفظي‭ ‬وحتى‭ ‬النظري‭. ‬

ومثلما‭ ‬آلمتني‭ ‬تلك‭ ‬الحركة‭ ‬بما‭ ‬جلبته‭ ‬من‭ ‬مآسي‭ ‬وكوارث،‭ ‬أسعدتني‭ ‬فكرة‭ ‬تكاتف‭ ‬النساء‭ ‬جميعا‭ ‬حيث‭ ‬أوضحت‭ ‬اختلاف‭ ‬وقوة‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭. ‬

أعلم‭ ‬جيدا‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬المنشورات‭ ‬لن‭ ‬تصل‭ ‬الى‭ ‬المتحرشين‭ ‬من‭ ‬الأساس،‭ ‬لكن‭ ‬يكفي‭ ‬أنها‭ ‬أمدت‭ ‬الدعم‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬الفتيات‭ ‬اللاتي‭ ‬تعاني‭ ‬في‭ ‬صمت‭. ‬فأتوقع‭ ‬وجود‭ ‬ردود‭ ‬أفعال‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يفكر‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬الإهانة‭. ‬

‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نعلم‭ ‬جميعا‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬المنشورات‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬خطوة‭ ‬أولى‭ ‬ناجحة‭. ‬خطوة‭ ‬لن‭ ‬يكلل‭ ‬نجاحها‭ ‬إلا‭ ‬عندما‭ ‬نردع‭ ‬نسبة‭ ‬التحرش‭ ‬كليا‭. ‬

وهذا‭ ‬لن‭ ‬يحدث‭ ‬إلا‭ ‬عندما‭ ‬تطبق‭ ‬القوانين‭ ‬الصارمة‭ ‬علي‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬التحرش‭. ‬اضافة‭ ‬الى‭ ‬عدم‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الحوادث‭ ‬كأنها‭ ‬ظاهرة‭ ‬كونية‭ ‬طبيعية‭. ‬

فطريقة‭ ‬قلب‭ ‬الموازين‭ ‬ونسب‭ ‬المشكلة‭ ‬الي‭ ‬كيفية‭ ‬لبس‭ ‬المرأة‭ ‬أو‭ ‬الحالة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬للبلد‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬المبررات‭ ‬لم‭ ‬ولن‭ ‬تنفع‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭.‬

والمشكلة‭ ‬الكبرى‭ ‬فى‭ ‬قلب‭ ‬الموازيين‭ ‬هي‭ ‬بدأ‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬تطبيع‭ ‬تلك‭ ‬التصرفات‭ ‬كأنها‭ ‬شئ‭ ‬من‭ ‬مستحقاتهم‭. ‬فنشر‭ ‬منذ‭ ‬مدة‭ ‬مقطع‭ ‬فيديو‭ ‬على‭ ‬موقع‭ ‬الفيسبوك،‭ ‬يوضح‭ ‬فيه‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬استراتيجيتهم‭ ‬في‭ ‬التحرش،‭ ‬ناسبين‭ ‬خياراتهم‭ ‬إلى‭ ‬مظهر‭ ‬المرأة‭. ‬فإذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬المرأة‭ ‬محجبة،‭ ‬لابد‭ ‬أنها‭ ‬تستحق‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أقبح‭ ‬من‭ ‬التحرش‭.    ‬

مهما‭ ‬حاول‭ ‬البعض‭ ‬التبرير‭ ‬والتوضيح،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نعي‭ ‬تماما‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الأفعال‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬مبرر‭ ‬ولا‭ ‬عذر‭ ‬لها‭. ‬

‭ ‬جيداء‭ ‬طه

مدير التحرير بالقسم العربي