Opinion

الوقت كالسيف… كده كده هيقطعك

كتبت‭ :‬جيداء‭ ‬طه

كنت‭ ‬جالسة‭ ‬أمام‭ ‬التلفاز‭ ‬أتناول‭ ‬غذائي‭  ‬بإحدى‭ ‬عشيات‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬حتى‭ ‬لاحظت‭ ‬سرعة‭ ‬مضغي‭ ‬للأكل‭ ‬مع‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬في‭ ‬عجلة‭ ‬من‭ ‬أمري،‭ ‬فتعودت‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الطريقة‭ ‬السريعة‭ ‬للأكل‭ ‬عندما‭ ‬تجبرني‭ ‬أمي‭ ‬على‭ ‬تناول‭ ‬الطعام‭ ‬مسرعة‭ ‬قبل‭ ‬نزولي‭ ‬صباحا‭.‬

نفس‭ ‬تلك‭ ‬السرعة‭ ‬اللا‭ ‬ارادية‭ ‬والغير‭ ‬ضرورية‭ ‬وجدتني‭ ‬أتبعها‭ ‬في‭ ‬قيادتي‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬سيري‭ ‬على‭ ‬قدمي‭. ‬

فأصبحت‭ ‬أشعر‭ ‬أني‭ ‬أختنق‭ ‬عندما‭ ‬تبطأ‭ ‬السيارة‭ ‬أمامي،‭ ‬ودائما‭ ‬ما‭ ‬تسبق‭ ‬حركتي‭ ‬أى‭ ‬شخص‭ ‬أسير‭ ‬بجانبه‭. ‬

اعتدت‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الرتم‭ ‬السريع‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬الاستعجال‭ ‬والهرولة‭ ‬جزء‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬شخصيتي،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬لسبب‭ ‬أو‭ ‬بدون‭ ‬سبب‭.‬

وهذا‭ ‬الحال‭ ‬ليس‭ ‬حالي‭ ‬فقط،‭ ‬فمعظم‭ ‬من‭ ‬حولى‭ ‬يبدون‭ ‬دائما‭ ‬وكأنهم‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬أيضا‭. ‬نحاول‭ ‬إنجاز‭ ‬كم‭ ‬مهول‭ ‬من‭ ‬الواجبات‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد‭ ‬وجميعها‭ ‬ضرورية‭. ‬

وكرهت‭ ‬فكرة‭ ‬‮«‬قائمة‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬إنجازه‮»‬‭ ‬الشهيرة‭ ‬لأن‭ ‬خطة‭ ‬تقسيم‭ ‬الوقت‭ ‬خطة‭ ‬شبه‭ ‬مستحيلة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬العشوائي،‭ ‬فمهما‭ ‬نظمت‭ ‬وقتك،‭ ‬ستجد‭ ‬شيئا‭ ‬خارجا‭ ‬عن‭ ‬ارادتك‭ ‬فجأه‭ ‬ليفسد‭ ‬كل‭ ‬الخطة‭. ‬وان‭ ‬كنت‭ ‬محظوظا‭ ‬وتجنبت‭ ‬ذلك،‭ ‬نسبة‭ ‬وصولك‭ ‬في‭ ‬الميعاد‭ ‬وتقديرك‭ ‬للمسافات‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬مهمة‭ ‬صعبة،‭ ‬بل‭  ‬تؤثر‭ ‬عليها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬الخارجية‭ ‬الثابتة‭ ‬مثل‭ ‬الازدحام‭ ‬المزمن‭ ‬وتأخر‭ ‬الآخرين‭ ‬وغيرها‭.‬

وحتى‭ ‬عندما‭ ‬نلتزم‭ ‬بالخطة،‭ ‬أصبحت‭ ‬محتوياتها‭ ‬البسيطة‭ ‬والمعقدة‭ ‬مجرد‭ ‬واجبات‭ ‬ننهمك‭ ‬فيها‭ ‬كالإنسان‭ ‬الآلي‭ ‬لا‭ ‬وقت‭ ‬لديه‭ ‬للاستمتاع‭ ‬بأي‭ ‬شئ،‭ ‬ينتقل‭ ‬من‭ ‬عمل‭ ‬لآخر‭ ‬فقط‭.‬

بين‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الضغوطات،‭ ‬استحوذ‭ ‬تفكيري‭ ‬سؤالا‭ ‬واحدا،‭ ‬لماذا‭ ‬نترك‭ ‬أنفسنا‭ ‬فى‭ ‬صدر‭ ‬الموجة‭ ‬التي‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تنفجر‭ ‬بنا؟‭ ‬كيف‭ ‬أصبحنا‭ ‬دائمي‭ ‬الركض‭ ‬والقلق‭ ‬والعمل‭ ‬الزائد؟

لن‭ ‬أزعم‭ ‬أنني‭ ‬وجدت‭ ‬الاجابة‭ ‬كاملا‭ ‬أو‭ ‬الحل‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬ولكنني‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬أفهم‭ ‬أسبابي‭ ‬وأسباب‭ ‬من‭ ‬حولي‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬أولا‭. ‬

للأسف‭ ‬لم‭ ‬أستطع‭ ‬تبرير‭ ‬هذا‭ ‬بفكرة‭ ‬تحقيق‭ ‬الذات‭ ‬والسعادة‭ ‬بالنجاح‭ ‬وحدها،‭ ‬فيمكننا‭ ‬أن‭ ‬نحقق‭ ‬ذاتنا‭ ‬بطريقة‭ ‬أبسط‭ ‬من‭ ‬هذه‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬يبذلون‭ ‬قصار‭ ‬جهدهم‭ ‬في‭ ‬عملهم‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬شغفهم‭ ‬تجاهه‭.‬

التفسير‭ ‬المنطقي‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬وجدته‭ ‬حتى‭ ‬الان‭ ‬هو‭ ‬انغماسنا‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬متأخرة‭ ‬أعمق‭ ‬للرأسمالية‭ ‬جعلتنا‭ ‬نترجم‭  ‬كل‭ ‬الخبرات‭ ‬والانجازات‭ ‬الي‭ ‬سطور‭ ‬زائدة‭ ‬بسيرتنا‭ ‬الذاتية،‭ ‬تجعلنا‭ ‬أكثر‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬المنافسة‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭.‬

مهما‭ ‬زادت‭ ‬قائمة‭ ‬الإنجازات،‭ ‬لن‭ ‬تكفي‭. ‬فيجب‭ ‬أن‭ ‬تكلل‭ ‬بالمزيد‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬والجهد‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬المنافسة‭ ‬دائمة‭. ‬النظام‭ ‬نفسه‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬التنافس،‭ ‬والتي‭ ‬اتضح‭ ‬الآن‭ ‬أنها‭ ‬لسيت‭ ‬فقط‭ ‬مدمرة‭ ‬للطبقات‭ ‬الأكثر‭ ‬احتياجا،‭ ‬بل‭ ‬للجميع‭.‬

الأصعب‭ ‬أننا‭ ‬نعرف‭ ‬المشكلة‭ ‬ولكن‭ ‬لن‭ ‬نستطيع‭ ‬التخلص‭ ‬منها‭ ‬ولو‭ ‬قررنا‭ ‬عدم‭ ‬المشاركة،‭ ‬سيشارك‭ ‬أحد‭ ‬بالنيابة‭ ‬عنا‭. ‬وحتى‭ ‬الانعزال‭ ‬بقوقعة‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬غير‭ ‬مقدور‭ ‬عليه‭. ‬