Health and MedicineHome PageOpinionSpotlight

أشياء لا تشترى، ولكن هل مِن مزيد؟

كتبت‭: ‬إيمان‭ ‬خروشة

مديرة‭ ‬تحرير‭ ‬قسم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية

هل‭ ‬توجد‭ ‬سعادة‭ ‬مُطلقة؟‭ ‬وهل‭ ‬اختبرها‭ ‬ابن‭ ‬آدم‭ ‬يومًا؟‭ ‬

بما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬العدد‭ ‬الخاص٬‭ ‬ارتأيتُ‭ ‬ومعي‭ ‬أقربهنّ‭ ‬لي٬‭ ‬مريم‭ ‬البرنس،‭ ‬أن‭ ‬نُدير‭ ‬بالمثل‭ ‬حوارًا‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬خاص‭ ‬نناقش‭ ‬فيه‭ ‬مفهوم‭ ‬السعادة‭ ‬المُطلقة‭.‬

وفي‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر،‭ ‬أجلتُ‭ ‬مناقشة‭ ‬ذلك‭ ‬كثيرًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬جاء‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬مجال‭ ‬فيه‭ ‬للمزيد‭ ‬مِن‭ ‬التسويف‭.. ‬ليس‭ ‬بسبب‭ ‬ارتباطنا‭ ‬بموعد‭ ‬النشر،‭ ‬وإذ‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬سببًا‭ ‬قويًّا،‭ ‬ولكن‭ ‬الدافع‭ ‬الأكبر‭ ‬هو‭ ‬رغبتي‭ ‬في‭ ‬ترتيب‭ ‬ما‭ ‬يكمن‭ ‬داخلي‭ ‬حول‭ ‬مفهوم‭ ‬السعادة‭.. ‬

‮«‬السعادة‭ ‬هِبة‭ ‬وليست‭ ‬شيئًا‭ ‬يكتسبه‭ ‬الإنسان‭.‬‮»‬‭ ‬هكذا‭ ‬ردت‭ ‬عليّ‭ ‬مريم‭ ‬حينما‭ ‬سألتها‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬يحمله‭ ‬مقالها‭ ‬وما‭ ‬تعتقده‭ ‬عن‭ ‬مفهوم‭ ‬السعادة،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أتفق‭ ‬مع‭ ‬شيئًا‭ ‬مِن‭ ‬قبل‭ ‬مثلما‭ ‬اتفقت‭ ‬مع‭ ‬ذلك،‭ ‬بل‭ ‬وشعرتُ‭ ‬ولمسني‭ ‬ذلك‭ ‬الإحساس‭ ‬براحة‭ ‬مَن‭ ‬كان‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬شيئًا‭ ‬ووجده‭ ‬بعدما‭ ‬استُنزفت‭ ‬قواه‭. ‬

مثلما‭ ‬نتغير‭ ‬يومًا‭ ‬تلو‭ ‬الآخر‭ ‬وتتغير‭ ‬وتتلون‭ ‬بضعة‭ ‬مفاهيم،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬تغيُر‭ ‬سلبي‭ ‬أو‭ ‬إيجابي،‭ ‬تغيَر‭ ‬مفهومي‭ ‬للسعادة‭ ‬أو‭ ‬لأكن‭ ‬دقيقة،‭ ‬وجدت‭ ‬المعنى‭ ‬المنشود‭. ‬اكتشفتُ‭ ‬أن‭ ‬السعادة‭ ‬المُطلقة‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬مُصطلح‭ ‬قد‭ ‬نُعبر‭ ‬به‭ ‬عن‭ ‬حالتنا‭ ‬إن‭ ‬شعرنا‭ ‬بمُشتق‭ ‬مِن‭ ‬مُشتقات‭ ‬السعادة،‭ ‬لنُطلق‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬سعادة‭ ‬مُطلقة‮»‬‭ ‬ولكنه‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬أشياء‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬تُعد‭ ‬ولا‭ ‬تُحصى‭.‬

قد‭ ‬تندرج‭ ‬تحت‭ ‬‮«‬السعادة‭ ‬المُطلقة‮»‬‭ ‬مشتقات‭ ‬كثيرة،‭ ‬وإن‭ ‬عددناها‭ ‬واحدةً‭ ‬فالأخرى‭ ‬سينفد‭ ‬صبرنا،‭ ‬ولكن‭ ‬الابتهاج،‭ ‬اللهفة‭ ‬لرؤية‭ ‬مَن‭ ‬طال‭ ‬غيابه،‭ ‬الرضا‭ ‬بما‭ ‬قسمه‭ ‬الله‭ ‬لنا،‭ ‬الارتياح‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬أفرادًا‭ ‬مُعينة،‭ ‬جلسات‭ ‬صافية‭ ‬تحمل‭ ‬معاني‭ ‬صادقة‭ ‬مِمَن‭ ‬هم‭ ‬قريبون‭ ‬مِن‭ ‬قلبنا‭.. ‬تلك‭ ‬الجلسات‭ ‬التي‭ ‬تتلاقى‭ ‬بها‭ ‬أرواحنا‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬البعض،‭ ‬هي‭ ‬كل‭ ‬شيء‭.‬

النجاح،‭ ‬الفوز،‭ ‬السلام‭ ‬الداخلي‭.. ‬إلخ‭ ‬ما‭ ‬هم‭ ‬سوى‭ ‬مشتقات‭ ‬للسعادة‭ ‬المُطلقة،‭ ‬قد‭ ‬يتحقق‭ ‬لدى‭ ‬ابن‭ ‬آدم‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬وقد‭ ‬يتعثر‭ ‬في‭ ‬حياته‭.. ‬فيكون‭ ‬صافِ‭ ‬البال‭ ‬لحظة‭ ‬وناقم‭ ‬على‭ ‬حياته‭ ‬في‭ ‬الأخرى،‭ ‬قد‭ ‬ينجح‭ ‬تارة‭ ‬وتذل‭ ‬قدماه‭ ‬تارة‭.. ‬وتلك‭ ‬هي‭ ‬الحياة‭ ‬وقد‭ ‬تكمن‭ ‬السعادة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬كله،‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬الصفاء‭ ‬ولحظات‭ ‬الامتعاض‭ ‬والحزن‭. ‬فدون‭ ‬وجود‭ ‬لحظات‭ ‬يصعب‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬عيشها،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لحياتنا‭ ‬معنى‭..‬

إيماني‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬السعادة‭ ‬المُطلقة‮»‬‭ ‬ليست‭ ‬هيّنة‭ ‬الاكتساب،‭ ‬يرجع‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬ابن‭ ‬آدم‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحيى‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬دون‭ ‬لحظات‭ ‬يندم‭ ‬عليها‭ ‬ويتعلم‭ ‬منها،‭ ‬والسعادة‭ ‬المُطلقة‭ ‬هي‭ ‬غياب‭ ‬ذلك‭.. ‬السعادة‭ ‬المُطلقة‭ ‬هي‭ ‬اللامبالاة،‭ ‬أو‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬غياب‭ ‬أية‭ ‬مسؤوليات‭ ‬أو‭ ‬ذكريات‭ ‬أو‭ ‬لحظات‭ ‬تعثر‭.. ‬قد‭ ‬تكمن‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬تعمد‭ ‬النسيان‭ ‬لكل‭ ‬ذلك،‭ ‬وذلك‭ ‬يرجعنا‭ ‬مجددًا‭ ‬إلى‭ ‬اللامبالاه‭. ‬

وحتى‭ ‬لا‭ ‬يُسيء‭ ‬البعض‭ ‬فهمي،‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬‮«‬سعادة‭ ‬مُطلقة‮»‬‭ ‬لا‭ ‬يُعد‭ ‬شيئًا‭ ‬سلبيًا‭ ‬نحزن‭ ‬عليه،‭ ‬بل‭ ‬بالعكس،‭ ‬أعتقد‭ ‬أني‭ ‬قد‭ ‬أضجر‭ ‬وأمِل‭ ‬إن‭ ‬شعرتُ‭ ‬بالسعادة‭ ‬المُطلقة‭.. ‬السعادة‭ ‬المُطلقة‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬شعر‭ ‬به‭ ‬آدم‭ ‬في‭ ‬الجنة‭.. ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أننا‭ ‬تُعساء‭.. ‬فنحن‭ ‬أبعد‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭.‬

تكمن‭ ‬السعادة‭ ‬التي‭ ‬أتحدث‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬أشياء‭ ‬لا‭ ‬تُشترى،‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬الأهل‭ ‬والأصدقاء،‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬الصدق‭ ‬والحب‭ ‬والفخر،‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬أشياء‭ ‬إن‭ ‬ملكنا‭ ‬مال‭ ‬الدنيا‭ ‬دون‭ ‬وجودها،‭ ‬سنظل‭ ‬تعساء‭ ‬ما‭ ‬حيينا‭.. ‬

فما‭ ‬يُشترى‭ ‬قد‭ ‬يجلب‭ ‬سعادة‭ ‬مؤقتة،‭ ‬سعادة‭ ‬تُربَط‭ ‬بوقت‭ ‬وبشخص‭ ‬وبمال،‭ ‬وتكون‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الوقت‭ ‬نافدة‭ ‬لا‭ ‬محالة‭.. ‬أما‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يُشترى،‭ ‬لن‭ ‬ينفد‭ ‬أبدًا‭.‬

ماذا‭ ‬عنكِ‭ ‬يا‭ ‬مريم؟‭ ‬هل‭ ‬لديكِ‭ ‬مفهوم‭ ‬مشابه‭ ‬للسعادة؟