- تحرير: حبيبة هشام
- تصوير: محمد كوكة
شهدت المسلسلات في السنوات الأخيرة تحولًا لافتًا، حيث بدأ العديد من الأعمال تقتصر على خمس عشرة حلقة بدلًا من الثلاثين المعتادة. وقد أصبح هذا الاتجاه أكثر انتشارًا في رمضان هذا العام، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كان هذا التحول مجرد استراتيجية إنتاجية تهدف إلى زيادة الأرباح، أم أنه يهدف إلى تقديم محتوى يتسم بالتركيز دون الإطالة.
ولم تقتصر هذه الظاهرة على الدراما المصرية فحسب، بل امتدت لتصبح جزءًا من تطور صناعة الدراما على المستوى العالمي. ففي الصين، على سبيل المثال، ازدهرت ما يعرف بالمسلسلات القصيرة “الميكرو دراما”، والتي تتألف من حلقات لا تتجاوز مدتها دقيقة واحدة. هذه الأعمال حققت إيرادات تُقدّر بحوالي خمسة مليارات دولار سنويًا، متفوقةً على إيرادات السينما التقليدية، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة “تشاينا ديلي” في يونيو من عام ٢٠٢٤، وذلك بفضل تعلق الجمهور بالأعمال القصيرة.
يتزامن هذا الاتجاه مع صعود المنصات الرقمية مثل “نتفليكس” و”شاهد”، التي تقدم مسلسلات تناسب أنماط المشاهدة الحديثة. لم يعد المشاهد مضطرًا للانتظار يوميًا لمتابعة حلقة جديدة، بل أصبح بإمكانه مشاهدة المسلسل كاملاً في الوقت الذي يناسبه. هذا التحول شجّع المنتجين على تقديم أعمال قصيرة تُستهلك دفعة واحدة، بما يتماشى مع وتيرة الحياة السريعة.
تقول إيمان الطوخي، المخرجة التنفيذية صاحبة الخبرة الواسعة في صناعة الدراما التلفزيونية، إن المنصات الرقمية هي السبب الرئيسي وراء تغير شكل المسلسلات، إذ لم يعد هذا التحول مقتصرًا على دراما رمضان فحسب، بل أصبح تغييرًا شاملاً في هيكل المسلسل الدرامي.
هذا التصريح يعكس التأثير الكبير للمنصات الرقمية في تغيير طريقة سرد القصص، إيقاع الأحداث، وبناء الشخصيات، مما يجبر صناع الدراما على إعادة التفكير في شكل ومضمون أعمالهم، وليس فقط في عدد حلقات العمل.
مع هذا التحول في شكل الإنتاج، تغيّرت أيضًا تفضيلات الجمهور. أوضحت دينارة أسامة، طالبة علم النفس في السنة الثانية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، أنها أصبحت تميل إلى متابعة المسلسلات القصيرة بدلاً من المسلسلات الطويلة في رمضان. وأضافت أنها باتت تفقد شغفها بقصة المسلسل بسرعة أكبر في الآونة الأخيرة، مشيرة إلى أن هذا ربما يعود إلى التمديد غير الضروري في بعض القصص.
من جهة أخرى، يشير بعض النقاد إلى أن تقليص عدد الحلقات ليس بالضرورة مرتبطًا بتقليص انتباه المشاهدين، بل هو جزء من استراتيجية إنتاجية تهدف إلى زيادة الأرباح وتقليل التكاليف. كما يتيح هذا التوجه إنتاج عدد أكبر من المسلسلات في الموسم الواحد، مما يزيد من حدة المنافسة بين القنوات والمنصات.
وأكدت الناقدة الفنية، سارة نعمة الله، أن المسلسلات القصيرة أصبحت جزءًا أساسيًا من تطور الدراما المصرية، خاصة في ظل الإنتاج المكثف الذي تشهده الساحة الفنية حاليًا. وأضافت أن هذا النوع من الأعمال يسمح بتقديم محتوى أكثر تركيزًا، دون المط الذي قد يضعف جودة العمل.
من جانبها، ترى زينة رامي، مخرجة وصانعة أفلام، أن المدة القصيرة للحلقة قد يكون لها تأثير أكبر على مدى تركيز المشاهد، مقارنةً بعدد الحلقات. فمدة الحلقة نفسها هي ما يحدد قدرة المشاهد على الحفاظ على انتباهه.
وأوضح ولي وائل، مخرج وصانع أفلام، أن تقليص عدد الحلقات له العديد من المزايا الإنتاجية والإخراجية. من الناحية الإنتاجية، تنخفض التكاليف مع تقليص عدد الحلقات، بينما يمنح ذلك المخرج مساحة أكبر للتركيز على التفاصيل الدقيقة، مما يجعل السيناريو والحوار أكثر قوة وتماسكًا.
ويرى بعض المنتجين والمخرجين أن هذا الاتجاه مرشح للاستمرار في المستقبل، نظرًا لما يوفره من مزايا إنتاجية وإبداعية. ويؤكد ولي هذا الرأي بقوله، “لن تتراجع نسبة هذه المسلسلات، بل ستتزايد، لأنها أكثر كفاءة إنتاجيًا، كما تمنح المخرج فرصة لتقديم قصة متكاملة دون إطالة غير مبررة”.
ومع ذلك، تُشير إيمان إلى أن عدد الحلقات لا يُحدد فقط لأسباب مادية، بل يظل قرارًا فنيًا يعتمد على طبيعة القصة وأسلوب السرد. وتوضح أن عدد الحلقات يُقرَّر بناءً على رؤية فنية مشتركة بين المنتج والمخرج، بما يخدم القصة ويحقق أفضل تجربة للمشاهد.
ويبقى السؤال الأهم: هل سيستمر هذا الاتجاه في الصعود ليصبح القاعدة الجديدة في عالم الدراما، أم أنه مجرد موجة عابرة، سرعان ما يحنّ الجمهور بعدها إلى المسلسلات الطويلة ذات الثلاثين حلقة؟