- تحرير: منة الله زيد
- حقوق الصورة: مكتب الاتصالات
من الحياة الجامعية إلى مسارح الحياة العملية: هل تدعم الجامعة الأمريكية طلابها في المجالات الإبداعية؟
مع اقتراب التخرج، يراود العديد من طلاب كلية الفنون بالجامعة الأمريكية بالقاهرة سؤال محوَريِ : هل أنا مستعد حقًا لمواجهة سوق العمل؟
على الرغم من أن الجامعة توفّر تعليمًا في مجالات مثل السينما، التصميم، والفنون البصرية، إلا أن الانتقال من قاعات الدراسة إلى العالم المهني يُشكّل تحدّيًا حقيقيًا. فالمنافسة بين الفنانين شرسة، وغالبًا ما تكون الفرص محدودة أو غير متوقعة.
وهنا يظهر التساؤل الحقيقيِ: هل تزود الجامعة طلابها بالمهارات اللازمة للتغلب على هذه التحديات و الانطلاق بثقة في مسيرتهم المهنية؟
فعلى عكس المجالات التقليدية ذات المسارات الوظيفية الواضحة، فإن الصناعات الإبداعية المرتبطة بالفنون تتسم بالمرونة ، و تعتمد غالبًا على المشاريع المستقلة، وتشهد منافسة شديدة؛ لهذا يواجه العديد من الخريجين الجدد صعوبة في العثور على وظائف بدوام كامل، وينتهي الأمر بالبعض إلى العمل كمستقلين أو في وظائف مؤقتة و غير مستقرة.
في هذا السياق يرى بعض الطلاب أنهم بحاجة إلى خبرة عملية أوسع و شبكة علاقات داخل المجال، بينما يعتقد آخرون أن الجامعة قد زودتهم بأساس مهني وأكاديمي قوي يمدُهم بالثقة الكافية لخوض هذه العقبات.
وفقًا لصوفيا خليفة، مسؤولة التدريب في مركز الوظائف بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، فإن المركز يقوم بتخصيص خدماته لطلاب التخصصات الإبداعية، من خلال جلسات إرشادية فردية تساعدهم على التعامل مع التحديات الفريدة في سوق العمل، و توضح أن المركز يقدم مجموعة شاملة من الأدوات والموارد لدعم الطلاب خلال رحلتهم المهنية كطلاب، وفي مرحلة الانتقال إلى سوق العمل.
و تقول صوفيا :”يمكن للطلاب الاستفادة من ورش العمل لتعزيز الوعي الذاتي، وتحديد مسارهم المهني، وتحسين سيرهم الذاتية، كما يمكنهم استكشاف الخيارات المهنية من خلال زيارات الظل الوظيفي، والتدريب الخارجي، ودوائر التوظيف، و الجلسات التعريفية مع أصحاب العمل، مما يتيح لهم تعرّفًا عمليًا على سوق العمل وفرصًا تتجاوز حدود القاعة الدراسية وتساعد في الربط بين الحياة الجامعية وما بعدها”. كما أشارت صوفيا إلى أن بإمكان الطلاب أن يحصلوا على إرشادات لتحضير المقابلات، وصقل السير الذاتية ، وبناء المهارات من خلال فرص التدريب، وبرامج التعاون، والعمل الطلابي، إلى جانب فعاليات التوظيف التي تُقام داخل الحرم الجامعي.
لكن في حين أن هذه الخدمات متاحة لجميع الطلاب، إلا أن طبيعة الصناعات الإبداعية , مثل السينما والتصميم والفنون البصرية , تختلف بشكل كبير عن القطاعات التقليدية، مثل الأعمال أو العلوم السياسية، مما يثير تساؤلات حول مدى ملاءمة هذه الموارد لاحتياجات طلاب الفنون. هل يوجد ما يناسب الديناميكية الفريدة التي يتعامل معها طالب الفنون البصرية أو المسرح؟ وهل تتماشى هذه الخدمات مع واقع سوق العمل في هذه المجالات؟
“ندرك أن صناعات مثل السينما والتصميم والفنون البصرية تختلف عن الوظائف التقليدية”، تشرح خليفة. “لهذا السبب نعمل باستمرار على تخصيص خدماتنا، من خلال ورش عمل متخصصة وجلسات إرشادية فردية، بهدف إعداد الطلاب بشكل أفضل لسوق العمل والمسارات المهنية الإبداعية.”
بعد التخرج، يواجه العديد من خريجي الفنون تحديات ملموسة عند دخول سوق العمل. هناء داوود، خريجة قسم المسرح بالجامعة الأمريكية بالقاهرة دفعة مايو 2023، تعمل حاليًا كممثلة مستقلة وشاركت في عدد من الأفلام. تتحدث عن تجربتها قائلة: “الجامعة ساعدتني في تنمية مهاراتي كممثلة، لكن بعد التخرج شعرت أنني وحدي تمامًا في مواجهة السوق. ما فيش مسار واضح أو دعم مستمر للخريجين اللي عايزين يشتغلوا في مجال الفن فعليًا.” وتضيف: “العمل الحر بيتطلب مجهود شخصي ضخم في التسويق لنفسك وبناء علاقات، ودي حاجات ما تعلمناهاش في الكلية. تشعر هناء أن هناك فجوة بين التعليم الأكاديمي والدعم المهني المخصص لطبيعة مجالات مثل التمثيل، حيث تكون العلاقات الشخصية والخبرة الميدانية عوامل حاسمة للنجاح.
في هذا السياق، تشير هانيا شعلان، طالبة في سنتها الأخيرة بتخصص التصميم الجرافيكي وتخصصها الفرعي في المسرح، إلى أنها استخدمت بعض هذه الموارد، لكنها ترى أن طبيعة مجالها تتطلب دعمًا مختلفًا، وتقول: إنها استفادت من ورش العمل في تحسين سيرتها الذاتية، لكن كان من الصعب إيجاد فرص تدريب مرتبطة فعليًا بالمجال الفني وتشعر أحيانًا أن المسارات المهنية التي يُروج لها في هذه الفعاليات لا تتناسب كثيرًا مع طموحاتها كمصممة وفنانة.
تؤكد الأستاذة رشا علام، الأستاذة المشاركة ورئيسة قسم الصحافة والإعلام في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، على أهمية دمج الجانبين: النظري و العملي، في إعداد الطلاب لسوق العمل. وتوضح قائلة: “لإعداد الطلاب بشكل فعال لسوق العمل، خاصة في المجالات الإبداعية، فمن الضروري دمج الخبرات العملية مع المعرفة النظرية.هذا الدمج لا يضمن فقط تفوقهم الأكاديميَ، بل يهيئهم أيضًا لمواجهة التحديات المتغيرة في مختلف بيئات العمل المختلفة”. وتعتقد أن هذا النهج المتكامل ضروري لتمكين الطلاب من الانتقال بسلاسة من الحياة الجامعية إلى بيئات العمل المهنية في جميع المجالات.
عند سؤاله عن كيفية إعداد قسم الفنون للطلاب لمواجهة سوق العمل، قال أحمد سقف الحيط، الأستاذ المشارك في ممارسة التصميم وتعليم التصميم:
“أهم شيء يجب أن يحرص عليه طلابنا هو الحصول على تدريبات عملية قبل التخرج.”
وتابع موضحًا: “يجب على الطلاب المشاركة في المسابقات وحضور الفعاليات من أجل بناء علاقات واكتساب المزيد من الانكشاف على بيئة العمل”.
أما عمر حلمي، خريج قسم السينما دفعة 2021، فيعلق قائلاً: “المشاريع السينمائية اللي اشتغلنا عليها في الجامعة الأمريكية ساعدتني أبني ملف أعمال قوي، لكن الدخول إلى مجال العمل الحقيقي قصة مختلفة تمامًا.”
فمن دون علاقات قوية داخل الصناعة أو معرفة بخبايا المجال، لن يكون لك وجود حقيقي فيه، ويضيف أنه كان يتمنى أن تكون هناك برامج منظمة أكتر تربط الطلاب بشركات الإنتاج السينمائي قبل التخرج.
وتشارك سارة وليد، خريجة قسم الفنون البصرية من دفعة 2020 بالجامعة الأمريكية بالقاهرة تجربتها قائلة: إن الجامعة الأمريكية ساعدتها كثيرا في تنمية تفكيرها الإبداعي ومهاراتها التقنية، لكنها اكتشفت بعد التخرج أن الحصول على وظيفة في مجال الفنون البصرية أمر شديد الصعوبة ، حيث إن أغلب الفرص المتاحة لوظائف مؤقتة وبأجور منخفضة، وأنها لم تحصل على التدريب الكافي أثناء الدراسة على مواجهة هذا الواقع قائلة:
“كثير كنت بحس إني ببدأ من الصفر.”
وبرغم أن هانيا شعلان الطالبة في عامها الأخير في تخصص تصميم الجرافيك، بالإضافة لتخصصها الفرعي في المسرح تؤكد على استفادتها من المهارات التقنيّة التي زودتها بها الجامعة، واستفادتها من تجربة المشاركة في إنتاج مشروعات مسرحية داخل الجامعة، مما زودها بمهارات تتعلق بالعمل الجماعي وآليات التعامل مع الممثلين والمخرجين، إلا أنها لا تزال ترى أن فرصها في العمل في مجال تصميم الهوية البصرية للأعمال المسرحية محدودة في سوق العمل.
فبرغم ما يتمتع به طلاب الجامعة الأمريكية من برامج أكاديمية متميزة تزودهم بمهارات كبيرة، فلا يزال العمل في المجالات الإبداعية يحتاج إلى مهارات أخرى ترتبط بالقدرة على التحمل ، وبناء العلاقات المهنية، والتحفيز الذاتي المستمر، فهل يمكن للتدريب العملي والإرشاد المهني في مرحلة الدراسة أن يسد هذه الفجوة؟