- تقرير: هنا سامي
- تحرير: مهند أبوسريع
- تصوير: مريم جلال
في زمن تتسارع فيه الإنجازات وتُعرض الحياة المهنية على المنصات الرقمية إنجازات متتالية، بات الخوف من التأخر عن الركب المهني واقعًا يوميًا لدى كثير من الشباب. وبينما يُفترض أن تكون هذه المنصات مثل Linkedin توفر فرصًا، فإنها كثيرًا ما تزرع فيهم شعورًا بالنقص و تدفعهم لاتخاذ قرارات لا تعكس اهتماماتهم الحقيقية. فهل يسعى الشباب فعلًا لتحقيق طموحاتهم المهنية، أم أنهم يتحرّكون تحت ضغط المقارنات الرقمية دون وعي؟
في السنوات الأخيرة، برز مصطلح FOMO (الخوف من فوات الفرصة) كأحد أبرز العوامل النفسية المؤثرة في سلوك الأفراد، وامتد تأثيره من المجال الاجتماعي ليصل تأثيرها على قرارات الشباب المهنية.
على منصات مثل LinkedIn، تُعرض الحياة المهنية وكأنها سلسلة لا تنتهي من الإنجازات والنجاحات. ورغم ما توفره هذا النوع من المنصات من فرص حقيقية للتواصل و ايجاد فرص عمل، فإنها في الوقت ذاته تخلق بيئة مشبعة بالمقارنات. حيث يشعر كثير من الشباب بالحاجة إلى مواكبة ما ينشره الآخرون، ولو على حساب صحتهم النفسية.
تقول هند فتفت، محاضرة علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية بالقاهرة: “ما يُنشر على LinkedIn لا يعكس الواقع بصدق، بل يبدو كمسرحية مُتقنة من زمن آخر، أبطالها يتقمّصون أدوار النجاح والكمال.”
هذا الضغط المستمر يدفع البعض للالتحاق بدورات تدريبية أو برامج دراسات عليا لا تعكس اهتماماتهم، أو لقبول وظائف لا تناسبهم فقط لإثبات أنهم ليسوا “متأخرين”. وعلقت على هذا الأمر سلمى إبراهيم، موظفة ببنك القاهرة: “لم أكن مقتنعة بالوظيفة، لكنها كانت طريقتي الوحيدة لأثبت لنفسي ولا اتأخر عن أصدقائي الذين انطلقوا في مسيرتهم المهنية”.
لكن هذا النمط من السلوك المهني لا يمر بلا ثمن. تؤكد أمل باديب، مستشارة في مركز الصحة النفسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة أنه: أصبح مجال العمل شديد التنافسية، مما أدى إلى انخفاض تقدير الذات وزيادة النقد الذاتي. كما أن شعورال FOMO بات يؤثر بشكل كبير على رضا الفرد عن نفسه وعن وظيفته”.
وقد أظهرت دراسة لجامعة نوتنجهام، نُشرت في SAGE Open، أن الموظفين الذين يعانون من ال FOMO هم أكثر عرضة للإجهاد النفسي والاحتراق الوظيفي، مما يقلل من رضاهم عن العمل وصحتهم النفسية.
ويعبّر شهاب أحمد، خريج هندسة ميكانيكية من الجامعة الأمريكية و يعمل بمجال التسويق، عن تجربته قائلاً: “أشعر بأنني متأخر عن الركب، وكلما رأيت أحدهم يحصل على فرصة كنت أطمح إليها، ينتابني شعور بالقلق والتوتر وكأني أفقد السيطرة على مساري المهني.”
و بالرغم من النجاح الذي يحققه البعض إلا أنهم لم ينجوا من هذا الشعور. تقول أمل من واقع تجربتها: “أحيانًا أشعر أنني أفتقد العمل في القطاع الخاص أو الظهور على التلفاز كما يفعل الآخرون، لكنني أذكّر نفسي بما أحبه في عملي وبأنني أساعد الناس من خلال الاستماع إليهم.”
توضح هذه الحالات أن قرارات الشباب المهنية أصبحت في كثير من الأحيان استجابة غير واعية لضغوط خارجية أكثر من كونها انعكاسًا قناعاتهم أو رغباتهم. مما أدى إلى إبراز الحاجة إلى إعادة تعريف النجاح المهني، بحيث لا يكون مجرد تراكم الإنجازات مرئية، بل تجربة صادقة تعكس الذات والرغبات الشخصية.
لذلك تنصح أمل: “ركّز على ما يجعلك راضيًا وسعيدًا، دون أن تقارن نفسك بالآخرين. ضع هدفًا بسيطًا كل عام، مثل تعلم مهارة جديدة أو تحقيق إنجاز صغير، للتقدم خطوة نحو ذاتك الحقيقية.”
من هنا، يصبح دور المؤسسات التعليمية والهيئات المهنية مهم جدا في التوجيه وبناء الوعي. وقد أشارت هند إلى تجربة المنهج البريطاني الذي يضم مادة تسمى PSHE أو Physical social health education والتربية الصحية والبدنية والاجتماعية، لتعليم الأطفال من سن مبكرة حقوقهم ومسؤولياتهم المهنية والاجتماعية.
ويبقى السؤال مطروحًا: هل نختار مساراتنا المهنية بحرية واقتناع؟ أم أننا نركض في سباق غير مرئي فرضته علينا ثقافة رقمية لا تعترف بالبطء، ولا تحتفي بالاختلاف؟