تحرير: منة الله زيد
الأطفال هم النعمة التي تملأ البيوت حنانًا وحياة، لكن ماذا عن أولئك الذين حُرِموا من نعمة الإنجاب؟ وعن الأطفال الذين وَجَدوا أنفسهم دون الأمان الذي تقدمه العائلة؟ بين وجع الحرمان وألم اليتم وُلِدَت فكرة “الكفالة الأسرية”؛ لكي تكون بمثابة الأمل لكل عائلة تتمنى أن تُرزَق بطفل، وكل طفل يحلم باليوم الذي سيجد نفسه في كَنف عائلة تمده بالحب و الحنان.
بلغ عدد الأطفال المكفولين في مصر حتى يناير الماضي ١٢,٣٢٣ طفلًا وطفلة، موزعين على ١٢,٠٩٤ أسرة طبقا لموقع الأهرام، . لكن في بعض الأحيان تقوم الأسر برد الطفل المكفول إلى دار الأيتام لعدة أسباب من ضمنها: غياب الدعم النفسي والاجتماعي للأسر الكافلة، وضعف التهيئة المسبقة للأسرة والطفل؛ لمكافحة ذلك أعلنت وزارة التضامن الاجتماعي فرض غرامة مالية على الأسرة التي تريد رد الطفل الذي كفلته قدرها ٢٠ ألف جنيه، وهو القرار الذي يهدف إلى حماية الطفل من الأذى النفسي الذي يقع عليه نتيجة إعادته إلى الدار مرة أخرى.
قالت دينا البواب، مدرسة مساعدة في قسم علم النفس بالجامعة الأمريكية التي كتبت رسالتها للماجستير عن تغيير نظام رعاية الأطفال الأيتام فى مصر من خلال إلغاء الرعاية المؤسسية والتركيز على الكفالة: إن فكرة فرض غرامة مالية قدرها ٢٠ ألف جنيه مصري تعكس إدراك وزارة التضامن الاجتماعي للآثار السلبية الناتجة عن إعادة الأطفال إلى دور الرعاية، كما يُظهر رغبة الوزارة في تشجيع الأسر على التفكير الجاد قبل اتخاذ قرار الكفالة، وتعزيز مفهوم الالتزام والمسؤولية لدى أية أسرة تجاه الطفل المكفول.
وأضافت دينا أن إعادة الطفل المكفول إلى دار الرعاية، يؤدي في الغالب إلى تفاقم تجاربه السلبية، ويحد من قدرته على تكوين روابط إيجابية مع الآخرين، كما يضعف ثقته بنفسه وبالآخرين، و يجعله يشعر بالرفض والهجر، وقد تكون لهذه النتائج عواقب وخيمة على صحته النفسية والعامة، وعلى جميع مناحي حياته، ويزيد من خطر تعرضه لصدمة نفسية يصعب التعافي منها.
من المشاكل الأخرى الناتجة عن رجوع الطفل إلى دور الرعاية، أنه يرى أن عائلته تتخذ قرارات مصيرية بالنيابة عنه، ويخلق ذلك لديه شعورًا بفقدان السيطرة على حياته وسلب حريته منه، وينتج عن ذلك الرغبة بالتمرد، وعدم الاستماع إلى الأشخاص ذوي السلطة كوسيلة لإثبات سيطرته على حياته.
لكن هل تمثل الغرامة حلًا لهذه المشكلة؟
وفقا للدكتورة دينا البواب فإن الغرامة المالية لا تكفي وحدها، ويجب تطبيق أنظمة شاملة لحل تلك المشكلة من جذورها، مثل تصميم برنامج لإعداد الأسر الكفيلة مسبقًا، تتضمن توضيح التوقعات والمسؤوليات بشكل واقعي وواضح، وتوفير سبل الدعم النفسي للطفل والأسرة في جميع مراحل الكفالة، وذلك مع المتابعة المستمرة والاستماع دائمًا للأطفال والأسر؛ لفهم التحديات التي تواجههم، وبالفعل بدأت الوزارة بالعمل على ذلك.
بينما تشير هبة قطب، أستاذة ممارسة علم النفس في القسم بالجامعة الأمريكية بالقاهرة ومتخصصة في العمل مع الأطفال الأيتام، إلي أن أحد عيوب الغرامة هو تدني قيمتها، وتوضح قائلة: “لا أتوقع أن يكون ذلك المبلغ كافي لمنع الأشخاص من رد الطفل المكفول؛ لأن في بعض الأحيان يشعر الكافلون أن راحتهم وتخلصهم من المسئولية أهم من أي مبلغ يقومون بدفعه .”
وأضافت أيضًا أن الغرامة سيف ذو حدين؛ لأنها قد تؤدي إلى عواقب غير مقصودة، فالعائلة قد تحاول التهرب من دفع الغرامة عن طريق التخلص من الطفل دون إخطار السلطات، من خلال تركه في مكان بعيد على سبيل المثال، و ذلك يهدد سلامته، أو يمكن أن تبقي العائلة الطفل، وتسيء معاملته من أجل عدم دفع الغرامة.
إلى جانب قانون الغرامة ترى لولي أكرم التي تعمل على الدعوة والتوعية بالتبني كما أنها كافلة لابنة، أن هناك بعض القرارات يجب أن تتخذها الوزارة تعطي الطفل المكفول حقوقه. الأطفال الأيتام يعانون من فقر بيئي حيث إن دور الأيتام مكتظة بهم وتعاني من نقص الموارد وهم يعانون من قلة الفرص التعليمية والترفيهية. كما أن الكثير منهم يُهملون على يد القائمين بالرعاية. لذلك يجب على الوزارة أن تزيد الأشراف على هذه الدور، بالإضافة إلى أن توعي العائلات الكافلة على كيفية التعامل والتقليل من هذا الضرر النفسي.
سلطت الضوء على مشكلة أخرى فقالت “الأطفال المكفولون ليس لديهم قيد عائلي، وهذا يمثل لهم حواجز كثيرة في حياتهم. على سبيل المثال هم لا يُقبلون في بعض الوظائف لعدم وجود قيد عائلي لديهم، كما أنهم لا يستطيعون أن يمثلوا مصر دوليًا في المسابقات. هذه المسألة تضرني أيضًا كأم؛ لأنني لا أستطيع أن أسافر مع ابنتي في العطلة لعدم القدرة على إصدار تأشيرة لها.”