Arts and CultureFeaturedHome Pageالقافلة

إنجليزى المولد … مصرى الوجدان

تقرير‭: ‬فيرينا‭ ‬بيشوي

@vereena_bishoy

أدب‭ ‬لغة‭ ‬الضاد‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬عوامل‭ ‬تشكيل‭ ‬الثقافة‭ ‬والهوية‭ ‬العربية‭.‬

فتعتبر‭ ‬أعمال‭ ‬الكاتب‭ ‬المصري‭ ‬الكبير‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ٬‭ ‬الحاصل‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل٬‭ ‬من‭ ‬أيقونات‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ .‬

‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تعوق‭ ‬انتشار‭ ‬هذا‭ ‬الأدب‭ ‬هو‭  ‬صعوبة‭ ‬نقل‭ ‬المعنى‭ ‬بدقة‭ ‬أثناء‭ ‬عملية‭ ‬الترجمة‭. ‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬رجلًا‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬الانغماس‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬نفسها‭. ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬ترجمة‭ ‬الأعمال‭ ‬العربية‭ ‬الشهيرة‭ ‬متيحًا‭ ‬للعالم‭ ‬فرصة‭ ‬مشاركة‭ ‬تلك‭ ‬الثقافة‭ ‬معنا‭ ‬بمختلف‭ ‬اللغات،‭ ‬وهو‭ ‬همفري‭ ‬ديفيز‭.‬

‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ديفيز‭ ‬ولد‭ ‬وترعرع‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬لندن،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬وُصف‭ ‬بأنه‭ ‬مصري‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬ولدوا‭ ‬ونشأوا‭ ‬في‭ ‬مصر‭.‬

‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عقود،‭ ‬عاش‭ ‬ديفيز‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬وانغمس‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬والثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬مما‭ ‬جعله‭ ‬من‭ ‬الرواد‭ ‬في‭ ‬ترجمة‭ ‬النصوص‭ ‬العربية‭ ‬التاريخية‭ ‬والكلاسيكية‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الخيال‭ ‬الحديث‭.‬

‭ ‬كان‭ ‬ديفيز‭ ‬يحارب‭ ‬سرطان‭ ‬البنكرياس‭ ‬وتوفي‭ ‬في‭ ‬‮١٢‬‭ ‬نوفمبر‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬عن‭ ‬عمر‭ ‬يناهز‭ ‬‮٧٤‬‭ ‬عامًا‭.‬

‭ ‬عاش‭ ‬ديفيز‭ ‬حياة‭ ‬مثمرة‭ ‬مليئة‭ ‬بالنجاحات،‭ ‬وقد‭ ‬كرمته‭ ‬الجامعة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بالقاهرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إقامة‭ ‬حفل‭ ‬تأبين‭ ‬في‭ ‬الثامن‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬فبراير‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الجاري‭ ‬له‭ ‬أشاد‭ ‬به‭ ‬زملاؤه‭ ‬الأكاديميين‭ ‬وأفراد‭ ‬عائلته‭.‬

‭ ‬أثناء‭ ‬تكريم‭ ‬ديفيز،‭ ‬ذكر‭ ‬المتحدثون‭ ‬كيف‭ ‬تفاعل‭ ‬بكل‭ ‬إخلاص‭ ‬مع‭ ‬الثقافة‭ ‬المصرية‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيلها‭ ‬الدقيقة‭.‬

‭ ‬قال‭ ‬نيل‭ ‬هيويسون،‭ ‬مساعد‭ ‬مدير‭ ‬الصحافة‭ ‬السابق‭ ‬لبرامج‭ ‬التحرير‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بالقاهرة‭ ‬‮«‬الترجمة‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬كلمات‭ ‬في‭ ‬صفحة‭ ‬أو‭ ‬تعريفات‭ ‬في‭ ‬قاموس‭. ‬لا‭ ‬تكتمل‭ ‬معرفة‭ ‬اللغة‭ ‬بدون‭ ‬معرفة‭ ‬الثقافة‭ ‬والأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬يتحدثون‭ ‬بها؛‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬الترجمة‭ ‬ثقافية‭ ‬وليست‭ ‬لغوية‭ ‬فقط‮»‬‭.‬

‭ ‬شرح‭ ‬هيويسون‭ ‬كيف‭ ‬التزم‭ ‬ديفيز‭ ‬بهذا‭ ‬المبدأ‭ ‬طوال‭ ‬حياته‭ ‬المهنية،‭ ‬ولهذا‭ ‬السبب‭ ‬اعتبر‭ ‬الكثيرون‭ ‬ترجمة‭ ‬رواية‭  ‬عمارة‭ ‬يعقوبيان‭ ‬لعلاء‭ ‬الأسواني‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬تحسين‭ ‬للنص‭ ‬العربي‭ ‬الأصلي‭. ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬‮٢٠٠٨‬،‭ ‬كرمت‭ ‬جمعية‭ ‬المؤلفين‭ ‬البريطانية‭ ‬ترجمة‭ ‬ديفيز‭ ‬لعمارة‭ ‬يعقوبيان‭ ‬فأصبحت‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬أكثر‭ ‬‮٥٠‬‭ ‬عمل‭ ‬متميزا‭ ‬في‭ ‬الخمسين‭ ‬عامًا‭ ‬الماضية‭ ‬من‭ ‬الاعمال‭ ‬المترجمة‭.‬

‭ ‬لعب‭ ‬ديفيز‭ ‬دورًا‭ ‬هامًا‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬نشر‭ ‬الجامعة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬كما‭ ‬روى‭ ‬هيويسون‭. ‬حيث‭ ‬ترجم‭ ‬ديفيز‭ ‬‮١٧‬‭ ‬كتابًا‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬تولي‭ ‬هيويسون‭  ‬منصب‭ ‬مساعد‭ ‬مدير‭ ‬التحرير‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬النشر‭ ‬من‭ ‬ضمنهم‭ ‬روايات‭ ‬لكُتاب‭ ‬و‭ ‬روائيين‭ ‬مصريين‭ ‬مثل‭ ‬حمدي‭ ‬الجزار،‭ ‬محمد‭ ‬مستجاب،‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭  ‬والسيرة‭ ‬الذاتية‭ ‬لخالد‭ ‬البري‭.‬

‭ ‬امتدت‭ ‬أعمال‭ ‬ديفيز‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬ترجمة‭ ‬المنح‭ ‬الدراسية‭ ‬الواقعية‭ ‬مثل‭ ‬دراسة‭ ‬أكمل‭ ‬الدين‭ ‬إحسان‭ ‬أوغلو‭ ‬عن‭ ‬الأتراك‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬وإرثهم‭ ‬الثقافي‭.‬

‭ ‬ترجم‭ ‬ديفيز‭ ‬أيضاً‭ ‬أعمال‭ ‬الروائي‭ ‬اللبناني‭ ‬البارز‭ ‬إلياس‭ ‬خوري،‭ ‬وهما‭ ‬روايتيان‭ ‬باب‭ ‬الشمس،‭ ‬التي‭ ‬تُرجمت‭ ‬عام‭ ‬‮٢٠٠٥‬،‭ ‬ويالو‭ ‬التي‭ ‬تُرجمت‭ ‬عام ٢٠٠٩.

  

وأشار‭ ‬هيويسون‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ديفيز‭ ‬حصل‭ ‬مرتين‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬سيف‭ ‬غباش‭ ‬بانيبال‭ ‬للترجمة‭ ‬الأدبية‭ ‬العربية‭ ‬عن‭ ‬ترجمته‭ ‬لأعمال‭ ‬إلياس‭ ‬خوري‭.‬

  ‬تطرق‭ ‬هيويسون‭ ‬إلى‭ ‬أسلوب‭ ‬ديفيز‭ ‬في‭ ‬الترجمة‭  ‬الذي‭ ‬وصفه‭ ‬بكونه‭ ‬فريد‭ ‬من‭ ‬نوعه،‭ ‬كما‭ ‬وضح‭ ‬أن‭ ‬ديفيز‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يشرع‭ ‬في‭ ‬ترجمة‭ ‬أي‭ ‬كتاب‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬أحب‭ ‬النص‭ ‬وإلا‭ ‬فإنه‭ ‬يرفضه‭ ‬بكل‭ ‬احترام‭.‬

‭ ‬لم‭ ‬ينتهي‭ ‬حبه‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭ ‬أبدًا‭ ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬انقطاع‭ ‬عن‭ ‬الترجمة‭. ‬فقد‭ ‬وظف‭ ‬مهاراته‭ ‬العربية‭ ‬وشارك‭ ‬كاتبة‭ ‬الرحلات‭ ‬ليزلي‭ ‬لبابيدي،‭ ‬البحث‭ ‬وتجميع‭ ‬دليل‭ ‬ميداني‭ ‬لأسماء‭ ‬الشوارع‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬القاهرة،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬ثمرة‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬هي‭ ‬كتاب‭ ‬الدليل‭ ‬الميداني‭ ‬لأسماء‭ ‬الشوارع‭ ‬بوسط‭ ‬القاهرة‭. ‬والذي‭ ‬كان،‭ ‬وفقًا‭ ‬لرأي‭ ‬هيويسون،‭ ‬عملًا‭ ‬مرجعيًا‭ ‬ثريًا‭ ‬وشاملًا‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭ ‬وقامت‭ ‬بنشره‭ ‬دار‭ ‬نشر‭ ‬الجامعة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بالقاهرة‭ ‬في‭ ‬عام ٢٠٠٨.

‭ ‬كان‭ ‬الروائي‭ ‬حمدي‭ ‬أبو‭ ‬جليل‭ ‬صاحب‭ ‬آخر‭ ‬كتاب‭ ‬قام‭ ‬ديفيز‭ ‬بترجمته،‭ ‬رجال‭ ‬ابتلعوا‭ ‬الشمس،‭ ‬متشككًا‭ ‬في‭ ‬مواهب‭ ‬ديفيز‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬المؤلفين‭ ‬الأوائل‭ ‬هم‭ ‬المبدعون‭ ‬الحقيقيون،‭ ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬الوقت،‭ ‬ثبت‭ ‬له‭ ‬عكس‭ ‬ذلك‭. ‬كان‭ ‬أبو‭ ‬جليل‭ ‬يشعر‭ ‬بالرهبة‭ ‬من‭ ‬إتقان‭ ‬ديفيز‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬تفاصيل‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وعمقها‭.‬

‭ ‬قال‭ ‬أبو‭ ‬جليل‭ ‬‮«‬لم‭ ‬أشهد‭ ‬أبدًا‭ ‬هذا‭ ‬القدر‭ ‬من‭ ‬الدقة‭ ‬والنزاهة‭ ‬والولاء‭. ‬كنا‭ ‬نقضي‭ ‬ساعات‭ ‬حتى‭ ‬يصل‭ [‬ديفيز‭] ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬رضا‭ ‬بعبارة‭ ‬أو‭ ‬كلمة‭ ‬معينة‭ ‬يراها‭ ‬مناسبة‮»‬‭.‬

  ‬كان‭ ‬كتاب‭ ‬رجال‭ ‬ابتلعوا‭ ‬الشمس‭ ‬به‭ ‬مزيج‭ ‬من‭ ‬اللهجات،‭ ‬اعتبره‭ ‬أبو‭ ‬جليل‭ ‬مغامرة‭ ‬لغوية‭ ‬لاحتوائه‭ ‬على‭ ‬اللهجات‭ ‬التالية‭: ‬لهجة‭ ‬أهل‭ ‬الفيوم،‭ ‬والفلاحين،‭ ‬وكذلك‭ ‬أهل‭ ‬القاهرة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬اللهجة‭ ‬الليبية،‭ ‬التي‭ ‬ترجمها‭ ‬ديفيز‭ ‬كلها‭ ‬بإتقان‭.‬

‭ ‬قال‭ ‬أبو‭ ‬جليل‭ ‬‮«‬أخجل‭ ‬من‭ ‬قول‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬كانت‭ ‬الرواية‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬ترجمها‭ ‬همفري،‭ ‬وكأنها‭ ‬قضت‭ ‬عليه،‭ ‬ولكنني‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬كانت‭ ‬آخر‭ ‬أعمال‭ ‬همفري‭ ‬لمصر‭ ‬ولغتها‭ ‬ولهجتها‮»‬‭.‬

‭ ‬انضمت‭ ‬سامية‭ ‬محرز،‭ ‬أستاذة‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬والمدير‭ ‬المؤسس‭ ‬لمركز‭ ‬دراسات‭ ‬الترجمة،‭ ‬إلى‭ ‬حفل‭ ‬التأبين‭ ‬عبر‭ ‬تطبيق‭ ‬زووم‭ ‬وبدأت‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬الخطاب‭ ‬الذي‭ ‬أعدته‭. ‬سلط‭ ‬خطاب‭ ‬محرز‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬شخصية‭ ‬ديفيز‭ ‬البارزة‭ ‬ودوره‭ ‬في‭ ‬إنشاء‭ ‬مركز‭ ‬دراسات‭ ‬الترجمة‭ ‬بالجامعة‭ ‬عام ٢٠٠٩.

‭  

‭ ‬وأضافت‭ ‬أن‭ ‬المركز‭ ‬كان‭ ‬السبب‭ ‬وراء‭ ‬توطيد‭ ‬الصداقة‭ ‬بينهم،‭ ‬كما‭ ‬أضافت‭ ‬قائلة‭ ‬‮«‬لقد‭ ‬رافقني‭ ‬همفري‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬خطوة‭ ‬على‭ ‬الطريق‭ ‬حتى‭ ‬إغلاق‭ ‬المركز‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬‮٢٠٢١‬،‭ ‬وكان‭ ‬رحيله‭ ‬المفاجئ‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بشهرين،‭ ‬يمثل‭ ‬نهاية‭ ‬مغامرتنا‭ ‬معًا‮»‬‭. ‬