FeaturedHome PageOpinionالقافلة

الجميع على موعد مع الحياة

كتبت: مريم البرنس
مديرة تحرير قسم اللغة العربية

في عدة أيام، طرأ ما جعل الوجل يخمد بعض الشيء في صدور العديدين، فالجائحة يبدو أنها تنحسر رويدًا رويدًا على أرضنا وفي محيطنا. لذا، في هذه الأيام، تنتشر صور لم الشمل والسهرات المعتادة، نرى ابتسامات البعض تزينها زرقة البحر وصفرة الرمال المتلألئ كالذهب تحت الشمس في الخلفية‬

لهذه الصور وقع مختلف عن نظرائها إذ يفيض منها سعادة التلاقي. وكأنه الجميع على موعد مع الحياة، الحياة كما يعرفونها وتعرفهم. ولكن الأهم، تلك الغبطة التي تتوسد صدر الحياة، تبدو مطمئنة. لا تتكمم بالأزرق الآخر البغيض الذي يخفي مُحيّانا، لا تُكدّرها وحشة التباعد الاجتماعي فيهجر المُقرّبين أذرع بعضهم البعض، لا يشوبها الفراغ الذي اعتدناه في الخلفية فنجد الأماكن قد دبت فيها الحياة تارة أخرى

ومؤخرًا أثناء الليل، بدأت تزعجنا أبواق السيارات مجددًا وصوت اصطكاك أدوات المائدة بالمطاعم وقرع الأجراس وطرق الأبواب على أعتاب المتزاورين

كذب كل من قال أن هذا لا يبعث في النفس شيئًا من طمأنينة كانت قد ارتحلت منذ أكثر ستة أشهر. أشهر مرَّت كأضغاث الأحلام، ثقيلة، موحشة، مُقبضة، وقانطة

أكاد أجزم أن كل درجات الألوان في عيني أصبحت داكنة بدرجة واحدة على الأقل، وكل بوارق الضوء كان قد خفتت مهما لمعت. منذ بضعة أيام فقط، صرتُ حقًّا أرغب في كل شيء كسابق العهد

عجبًا كيف نتنقّل بين الأطوار، فمن خوف إلى أمن ومن حذر إلى تسليم ومن رهْب إلى رَغَب

ولكن، تلك الكلمة البغيضة التي تقطع كل بشرى وتزف الأنباء السارة بقليل من الحذر

هل فعلًا انتهت الأزمة؟

هذا هو السؤال الذي يكدر صفوي كلما ابتسمت أمام الصور أو كلما شرعت في التخطيط للغد كما أتصوّره. لا أستطيع أن أنسى أو أتناسى تلك الأيام التي احتدت فيها الأمور ولا أقدر أن أغض الطرف كلما رأيت الحال يتحسن مرّة ويسوء أخرى

تُباغتنا الأشياء حين نأمن مكرها، وإنه ليشق علي أن تنطفئ تلك الأنوار التي بدأت للتو في السطوع وذاك الفجر الذي يبزغ بعد أن شقّ ظُلمة حالكة لم نعرف مبتدأها من منتهاها

لا بد وأن تتكرر الصور في الأذهان لكي لا تفر من إطارها المُعلّق بالذاكرة لتصبح واقعًا يحيا معنا مرّة أخرى

قرأتُ مرّة ورقة مُلصقة بجدار الصف أنه من لا يقرأ التاريخ قد كُتب عليه- وللأبد- إعادته مرارًا وتكرارًا. وإن هذا الفصل من التاريخ حالك جدًا فاسترجعوه بين الفينة والأخرى

رجاءً وحُبًّا في تلك الحياة التي ذقتموها اليوم بعد شهور عجاف، تمهّلوا واصبروا واحذروا حتى نُبارك عودة دون انتكاس