Arts and CultureHome Pageالقافلة

فيلم صاحب المقام.. بين المادية والروحانية

تحليل: زينة إبراهيم

الصورة: بوستر الفيلم

بعد نجاح فيلم “مولانا” عام ٢٠١٧، المأخوذ عن رواية الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى التي تحمل نفس الاسم، تم عرض فيلم آخر من له بعنوان “صاحب المقام” في شهر يوليو لهذا العام، حقق العمل نسبة مشاهدة عالية ولكنه يعتبر من الأفلام التي نالت إعجاب البعض وانتقاد البعض الآخر حول الأفكار والأحداث الواردة به.

تدور أحداث الفيلم حول رجل أعمال شاب، الفنان آسر ياسين، يقوم بهدم مقام أحد الأولياء لبناء منتجع سياحي مكانه. ثم تتوالى الأحداث وتتصاعد بمرض زوجته التي تقوم بدورها الفنانة أمينة خليل. من تلك النقطة فصاعدا ينطلق البطل في سياق الأحداث من النظرة المادية للأمور للنظرة الروحانية بعد موازنته ما بين المكسب المادي والمكسب الروحاني، حيث ظهر في بداية الفيلم كشخص لا يهتم إلا بالأمور المادية. ولكن مرض زوجته جعله ينظر للأمور من منظور آخر وهو أ أهمل علاقاته الروحانية مع الله.

بناءً عليه، يقوم بجمع الجوابات التي ألقاها الكثير من الناس داخل مقام الإمام الشافعي ويحاول تحقيق العديد من الرسائل كوسيلة لينال رضا الله حتى يشفى له زوجته.

من المتعارف عليه أن يقوم بعض الناس بطلب شفاعة أولياء الله الصالحين مثل الإمام الشافعي، ليطلبوا شيئًا من الله، فبالتالي يقومون بكتابة جوابات بخط اليد يتوسلون إلى الله بالدعاء بتحقيق شيء ما، وهو فعل يراه البعض بدعة في الدين والبعض الآخر يراه توسل إلى الله وحب للإمام الشافعي لا غير.

قالت الأستاذة أمل الدالي، مُعدة بالتليفزيون المصري: “توجد أفكار كثيرة مغلوطة عن الصوفية وأنا اعتبر أن الفيلم كان يحث على خرافات كثيرة ويحمل نسبة ازدراء”. وكان ذلك ما قاله العديد ممن سُئلوا عن رأيهم تجاه هذا الموضوع بالتحديد، لأن هذا النوع يصور فكرة خاطئة عن الصوفية التي ما هي إلا فكر يلزم المؤمن على التصوف وتهذيب النفس والتأمل ولم يقدم ذلك بشكل واضح.

أجمع كل من سُئلوا عن أداء الأبطال بأنه كان رائع ويشجع على الاستمرار في المشاهدة وقال محمد سعيد، خريج المعهد العالي للسينما: “التمثيل كان جامد وكل واحد أتقن دوره صح”. ولكن أضاف: “قصة الفيلم الرئيسية متكررة وكان ممكن يبقى فيها فكرة أعمق، توصيل الرسالة كان من المفترض أن يكون بشكل منطقي أكثر ومن غير محاولة إظهار طائفة على حساب الثانية خصوصًا إن مش ده هدف الفيلم”.

تعمقًا في الشخصيات، يظهر الفنان بيومي فؤاد بدورين لتوأمين يشاركان البطل شركته، وكل منهما يمثل شخصية عكس الآخرى، أحدهم روحاني يصدق في بركة وشفاعة أولياء الله الصالحين -أي الفكر الصوفي- كما ورد في الفيلم، والآخر يقدس المادة ولا يعمل إلا من أجلها.

يعكس تناقض الشخصيتين الفرق بين حب الدنيا وملذاتها، والآخرة، متماثلان في نفس الشكل الخارجي. مما يجعل الجمهور يكره الشخصية المادية التي تحرض البطل على كل ما هو في مصالحه الشخصية دون أي اعتبارات إنسانية أو أخلاقية، ويتعاطف مع الشخصية الروحانية التي تخشى غضب الله وعقاب الأولياء.

بالطبع، ازداد المُشاهد تعاطفًا عندما رأى سعادة المحتاجين عند مساعدتهم وتلبية الطلبات التي كتبوها في رسائلهم. لكن يظل البطل حائرًا بين التناقضات حتى تظهر شخصية “روح” التي تقدمها الفنانة يسرا. تُعتبر روح الضمير الذي يحكم بين الشخصيتين المتواجدان داخل جسد واحد، ويزن الأمور مرشدًا إلى الطريق الصحيح. كما ظهرت الفنانة هالة فاخر في بداية طريق البطل؛ لتصفعه دون سبب واضح، وتعتبر تلك الصفعة صفعة إفاقة وكسر غرور شخصيته حتى يستطيع إكمال مشواره.

يظهر في أول الفيلم الاختلاف بين المذهبين؛ الصوفي والسلفي، أولهم مذهب يهدف الى تربية وتطهير النفس والقلب بالتأمل والتجلي في محبة الله، والآخر منهج يدعو إلى اتباع الأحكام الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية، وكانت أساسها حركة قامت ضد الرأسمالية الغربية في القرن التاسع عشر، لذلك يستغل البطل هذه الخلافات ويشعل فتنة بين المذهبين ويحقق هو مراده في هدم المقام التابع للصوفية دون أي ظهور شخصي على الساحة.

تدور أحداث الفيلم بشكل سلس ومنطقي حيث يتوقع المشاهد الأحداث عند محاولة البطل إنقاذ ومساعدة أكبر عدد من الناس، ومع تسلسل الأحداث يلاحظ المشاهد رد فعل متكرر لأولئك الذين ساعدهم البطل، وهو حمد الله أولا ثم تيقنهم بأن شفاعة الأولياء كان في محلها.

كان تكرار جملة “أنا جاي من طرف الإمام الشافعي” من قبل البطل عند كل مرة يصل فيها لأحد يساعده دليل قاطع على إصرار الكاتب أن يبرز فكرة استجابة الإمام الشافعي للطلبات ويثقلها بتعبيرات متماثلة على مدار الفيلم مما يدل على حفر وتحميس أفكار تقديس الأولياء وقدرتهم على صنع المعجزات وحل المشاكل في عقول الأجيال الجديدة. وهذا بالتحديد هو ما أثار الجدل حول الفيلم.