EducationFeaturedHome PageNewsالقافلة

نقص الانتباه وفرط الحركة: بين صعوبات التعلم الأكاديمي والوصم المجتمعي

تقرير – سماء حسام

‌”الميل للتصرُّف باندفاع، صعوبة ترتيب الأولويات، ضعف مهارات إدارة الوقت، صعوبة التركيز في مهمة محدَّدة، النشاط المفرط أو التململ، تقلُّبات مزاجية متكرِّرة” كل هذه الأعراض يعاني منها مصابي اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة.

قالت ماهيتاب يسري، طالبة بالفرقة الأولى، أنها اكتشفت إصابتها باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة عندما شاهدت مسلسل خلي بالك من زيزي، حيث وجدت تشابه في تصرفاتها مع أعراض اضطراب شخصية “زيزي” التي جسدتها الممثلة المصرية أمينة خليل والذي تم إذاعته في شهر رمضان الماضي.

“عادة ما أنسى المواعيد، والمعلومات، وأحيانًا أسماء أصدقائي وطريقة تعارفنا في البداية، كما أن لدي مشكلة في التعامل مع الأرقام حيث أجد صعوبة في العد بعد الرقم 100 رغم أن المهمة ليست بتلك الصعوبة وذلك لأنني لا أستطيع التركيز بفاعلية حتى وإن كنت متواجدة في بيئة هادئة.” 

وعن الاستراتيجيات التي تتبعها من أجل التغلب على هذه المشكلات، تقول يسري أنها تحاول تهدئة نفسها بالرغم من فشل محاولاتها عدة مرات٬ بالاضافة إلى محاولة تجاهلها للموضوع، وخاصة لأنها لا ترغب في جعل المحيطين بها يعلمون بإصابتها بهذا الاضطراب حتى لا يعاملونها معاملة خاصة.

أعربت ميار رحمي، خريجة كلية الإعلام لربيع 2019، أنها تعجز عن التركيز لفترة تزيد عن 20 دقيقة، كما أنها لا تستطيع الجلوس ساكنة خاصة عندما كانت صغيرة، لذلك تحاول البقاء متيقظة باتباع استراتيجيات مثل الشخبطة على الأوراق في المحاضرات التي لا تتطلب تفاعل، وأخذ استراحة خارج الفصل عند الشعور بالملل.

قبل أن تكتشف إصابتها باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، أرادت رحمي التخصص في إدارة الأعمال، ولكنها لم تتكيف مع المواد الدراسية حيث عبرت عن ذلك قائلة: “أشعر كأنني طائر وُضع في المحيط وأصر جاهدًا على تعلم السباحة”، فانتقلت  إلى قسم الإعلام الذي يتناسب مع طبيعتها بالإضافة إلى أن التخصص يتطلب عمل مشروعات دراسية، واختيار المواضيع التي ترغب في العمل عليها بأريحية. 

“تكمن المشكلة في معاملة الآخرين للأفراد ذوي صعوبات التعلم حيث أن الطلاب يخافون من المشاركة في مشروعات دراسية معنا؛ خوفًا من الحصول على درجات منخفضة أو إنجاز المهام بطريقة خاطئة، ولكنهم لا يفهمون أن عقولنا تختلف في طريقة عملها، لذلك يستبعدوننا من المشروعات بسبب الأحكام المسبقة.” هذا ما قالته رحمي تعبيرًا عن التحديات الاجتماعية التي تواجهها في الجامعة.

“نحتاج مساعدة الجامعة في نشر الوعي عن مختلف أنواع صعوبات التعلم، خاصة لأولئك الطلاب الذين لا يدركون أن لديهم اضطراب وبالتالي يعانون من أعراض لا يعلمون مصدرها، لذلك أقترح أن تنظم الجامعة جلسات توعية منذ لحظة الإرشاد الأكاديمي؛ لأن الوعي سوف يساعد الطلاب على اختيار التخصص الذي يلائمهم”، هكذا وضحت رحمي الإجراءات التي تأمل أن تتخذها الجامعة من أجل تسهيل رحلة التعلم.

ومن جهة أخرى يجب على الآباء والأمهات أن يكون لديهم الوعي لتفهم تلك الاضطرابات، فقد أوضحت رحمي رفض والدتها لتقديم الاستمارة التي توفر وسائل الراحة للمصابين باضطرابات التعلم حتى لا يتم وصمها بالإصابة باضطراب بين الأساتذة والطلاب. 

قالت رحمي٬ “أنا لا أصفه باضطراب، ولكنه أسلوب حياة مختلف، وذلك ما اكتشفته بسبب دراستي لمواد دراسية خارج التخصص الرئيسي والتي توفرها الجامعة على عكس المدرسة التي درسنا فيها مواد محدودة.”

أضافت حبيبة إسماعيل، طالبة بالفرقة الثانية بكلية اقتصاد، أنها لم تتعامل مع مصابين اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة من قبل، ولكنها درست في محاضرات مقدمة علم النفس عن ماهية الاضطراب وأعراضه، وذلك يشمل عدم التركيز في نشاط واحد مما يؤدي إلى عدم الاستمرار به، وإذا تدهورت حالة المصاب قد يؤدي إلى أمراض جسدية.

“لاحظت أن مركز رفاهية الطلاب يعقد محاضرات عن كيفية التعامل مع ذوي القدرات الخاصة وصعوبات التعلم، ولكن تهتم معظم أنشطة المركز بالإعاقة الجسدية أكثر من الاضطرابات السلوكية٬ لذلك أتمنى أن يوفر المركز أنشطة تفاعلية عوضًا عن المحاضرات، مثل إنتاج أفلام قصيرة كنوع من التوعية لمجتمع الجامعة” هكذا أضافت إسماعيل عن التوعية التي ترجوها من المركز. 

قالت ندى المسلَم، موظفة بمكتب خدمات القدرات الخاصة بمركز رفاهية الطلاب، أن المركز يوفر امتيازات لتسهيل حياة الطلاب الذين يعانون من اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة وغيرها، وذلك بعد الخضوع إلى اختبار رسمي لتحديد مستوى ونوع الاضطراب الذي ينقسم إلى نقص انتباه، فرط حركة، أو الاثنين معًا.

في حالة حصول الطالب على درجات تتجاوز المتوسط، يجتمع أحد الاخصائيين مع الطالب لمعرفة الصعوبات التي يواجهها، ونوعية الدعم الذي يحتاج له، بالإضافة إلى ملء استمارة تأمين وسائل الراحة التي تمثل ميثاق بين الطالب والأستاذ على الالتزام بكافة الإجراءات التي تكفل للطلاب أفضل استفادة من التجربة الجامعية.

“تؤكد الاستمارة على ضرورة تخصيص وقت إضافي للطلاب ذوي الاضطراب، والحرص على جلوس الطالب في المقعد المفضل له، وتوصيل معلومات المحاضرة عن طريق إضافة مرئيات تجذب الانتباه، وعقد الامتحان في مكتب بعيد عن باقي الطلاب؛ لكيلا يشعر الطالب بالحرج عندما يغادر زملائه القاعة بينما يحتاج المكوث لوقت أطول.” هكذا وضحت المسلَم عن أبرز الامتيازات التي توفرها الاستمارة.

كشفت المسلَم أيضًا عن إنشاء وحدة اختبار جديدة في مركز رفاهية الطلاب؛ لدعم الطلاب ذوي القدرات بشكل أفضل حيث يمكن حجز وحدة الاختبار من قبل الطلاب.

وأضافت أن الغرف عازلة للصوت بهدف استيعاب الطلاب الذين يعانون من صعوبات التعلم، والذين يحتاجون إلى منطقة اختبار أقل تشتيتًا، علاوة على ذلك، تتميز الإضاءة بالقدرة على التحكم بمستوى الضوء، كما أن أبواب الوحدة زجاجية شفافة بهدف السماح بمراقبة الاختبارات بأقل قدر من الإزعاج للمتقدمين للاختبار.

شدد أحمد أبو زيد، أستاذ زائر بقسم الاقتصاد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، على أهمية دور المركز في التوعية بثقافة تقبل الاختلاف، وذلك عن طريق زيادة الوعي بماهية اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، ويوفر المركز محاضرة للأساتذة عن كيفية التعامل مع الطلاب ذوي صعوبات التعلم منذ الفصل الدراسي الأول لهم في الجامعة، وتشمل كيفية التعامل مع الطلاب عند تقديم استمارة وسائل الراحة؛ لكي يشعر الطلاب بالاندماج وسط زملائهم.

يعد خريف 2021 أول فصل دراسي لأبو زيد في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وذلك بعد رحلة تدريس دامت لمدة 13 عام بجامعة إيلينوي الشرقية بالولايات المتحدة الأمريكية، وقد صادف أربعة طلاب يعانون من اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، ذلك بالإضافة إلى حالات شخصية من أصدقاء أبنائه الذين يعانون من الاضطراب ذاته، مما جعله ملم بكيفية التأقلم مع الاضطراب وتوفير سبل الراحة للجميع، وأكد أنه لم يجد اختلاف بين كيفية تعامل الجامعة مع الطلاب ذوي الاضطراب وجامعته السابقة في أمريكا. 

أكمل أبو زيد حديثه عن كيفية تعامل الأساتذة مع الطلاب قائلًا: “لا تشمل الاستمارة التي يوفرها المركز تشخيص بنوع المعضلة أو صعوبة التعلم بهدف المحافظة على سرية بيانات الطلاب، ولكنني أفضل أن يخبرني الطالب بنوع الصعوبة التي يواجهها؛ لكي أكيف له البيئة الملائمة لنوع الصعوبات التي يواجهها تحديدًا، وبالرغم من وجود قانون بالجامعة لتوفير سبل الراحة لكل الطلاب ذوي صعوبات التعلم، نطبق كأساتذة روح القانون بالاطمئنان دائمًا على رفاهية الطلاب بما يزيد عن القوانين الموضوعة.” 

واختتم أبو زيد حديثه قائلًا: “تكمن المشكلة في نقص الوعي لدى الطلاب والأساتذة بماهية الاضطراب، ويزداد الوضع سوءًا عندما نتحدث عن مصر بشكل عام، فالطلاب في جامعتي السابقة لا يحرجون من الكشف عن إصابتهم باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، وذلك لتوفير وسائل راحة أنسب لهم مثل السماح بتسجيل المحاضرة بهدف سماعها مجددًا إذا فقد الانتباه، وتوفير ملاحظات بعد انتهاء المحاضرة بدلًا من الكتابة مما يؤدي إلى تشتت انتباههم، وزيادة عدد الصفحات التقديمية والإشارة إلى الانتقالات في الشرح.”

الجدير بالذكر أن الطالب الذي لم يتلق الخدمة اللائقة من معلمي وموظفي الجامعة يستطيع أن يقدم عريضة تعرض مشكلته، ويشكل عميد الطلاب لجنة تتكون من رئيس القسم، عميد الكلية، كبار الموظفين ومدير مكتب رفاهية الطلاب بهدف دراسة الموقف؛ لكي تستطيع  الجامعة بأخذ الإجراءات اللازمة تجاه من يخالف سياسة الإعاقة وصحة وسلامة الطلاب النفسية.