FeaturedHome PageNewsالقافلة

تصاعـد األزمـة الروسـية األوكرانيـة

تقرير: بسنت شحاتة
passantkshehata@
الصورة: جريدة ذا جارديان

تفاجأ العالم منذ عدة ايام بتمركز نحو ١٠٠ ألف روسي على الحدود الأوكرانية مما أثار الذعر في المجتمع الدولي من وقوع حرب محتملة، خاصًة أن أي صراع مسلح بين الدولتين يستلزم تدخل العديد من الدول، أولهم الولايات المتحدة ودول أوروبا الكبرى.

ماذا يحدث؟

بعد تجمع القوات الروسية على طول الحدود الأوكرانية، أعرب العديد من قادة الغرب عن قلقهم حيال شب حرب وسط إنكار روسي لأي نية لصراع مسلح. فقد دعا الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الرعايا الأمريكيين إلى مغادرة أوكرانيا، وكذلك فعلت السلطات الألمانية والفرنسية. وقد صرح بايدن أكثر من مرة أن روسيا تنوي الغزو الأسبوع المقبل، ودليله هو “لدينا مصادر استخباراتية قوية”. كما أعرب الأمين العام لحلف الناتو أن خطر الحرب هو خطر حقيقي. ومع ذلك، نفت موسكو أي نية للحرب بل واتهمت الدول الغربية بإثارة الرعب. 

حقوق تاريخية مزعومة 

منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام ١٩٩١، أخذت روسيا تحاول إحكام سيطرتها على الدول المجاورة المستقلة حديثاً، بينما حاول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الحلف العسكري المكون من ٣٠ دولة، التمدد نحو الشرق مهدداً المصالح الروسية. انضمت بالفعل العديد من دول شرق أوروبا إلى الناتو خلال تسعينيات القرن الماضي مثل لاتفيا، المجر، بولندا وآخرون. وتزعم روسيا أن لديها حقوق تاريخية في أوكرانيا،وتؤكد ذلك بسبب ضمها لشبه جزيرة القرم في ٢٠١٤ عقب الاحتجاجات الشعبية التي أدت إلى عزل الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش.

فدائما ما خشيت روسيا التوغل الغربي في دول الاتحاد السوفيتي السابقة خاصةً محاولات تلك الدول الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو وبالتحديد أوكرانيا التي تشارك حدودها الشرقية مع روسيا. حلف الناتو حلف دفاعي يُلزم أعضائه بالتدخل العسكري ضد أي عدوان على إحدى الدول الأعضاء. ولذلك، الخوف الروسي من انضمام أوكرانيا لشمال الأطلسي يتضمن محاولة الدول الأوربية استعادة القرم. صرح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في الثامن من فبراير الحالي خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضمن زيارة الأخير للعاصمة الروسية موسكو “هل تلاحظون جميعاً أنه في حالة انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، وقررت استعادة شبه جزيرة القرم، فستضطر الدول الأوروبية لدخول صراع عسكري مع روسيا؟ وبالطبع قدرات روسيا لا تقارن بقدرات دول الناتو مجتمعين”، بحسب الموقع الرسمي للكرملين، الإدارة الروسية. 

لماذا الآن؟ 

التوتر الروسي-الأوكراني مشتعل منذ أحداث ٢٠١٤ التي انتهت بعزل الرئيس الموالي لروسيا واستمرار الصراع المسلح بين القوات الانفصالية المدعومة من روسيا والجيش الأوكراني بعد فشل اتفاق مينسك، ولكن التصعيد الحالي جاء نتيجة عدة عوامل.

قال نبيل فهمي، وزير الخارجية المصري السابق وعميد كلية الشئون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، للقافلة معقباً على الأزمة “الوضع في أوكرانيا خطر حقيقي نتيجة لخلل في توازن القوى في الساحة الدولية ورغبة من مختلف الأطراف في إثبات الذات واستغلال الفراغ السياسي”.

كما أوضح فهمي أن سبب التصعيد هو “رغبة روسيا في وضع حد للتوغل الغربي بالقرب من حدودها مع أوروبا الشرقية، من الناحية الغربية هنالك رغبة في التوسع سياسياً وأمنياً وانتهاز فرصة عدم وجود رادع شرقي لذلك التوسع”.

أوضحت هبة طه، الأستاذ المساعد بقسم العلوم السياسية بالجامعة، أن التصعيد سببه هوس روسيا بإثبات أن أوكرانيا مازالت تحت مظلة السيطرة الروسية وشعورها بتهديد مصالحها بسبب تقرب الاتحاد الأوروبي من أوكرانيا.  

كما أضافت طه أن “خطورة الوضع تكمن في أن الحرب إن وجدت ستكون حرب بالوكالة، حيث لن تكون أوكرانيا سوى ساحة للمصالح الجيوسياسية بين روسيا والغرب مما يهدد مستقبل الشعب الأوكراني”. وشددت طه على أن التصعيد الحالي هو نتيجة لرغبة الجيش الروسي في إظهار إلى أي حد تستعد موسكو للتضحية لإبقاء أوكرانيا ضمن سلطتها. 

هل نحن على شفا حرب عالمية؟

رغم توتر الأزمة وتراشق التصريحات بين الجانبين الروسي والغربي، فلا يتوقع فهمي حدوث حرب كاملة بل مجرد عمليات عسكرية في نقاط متفرقة سواء من الجانب الغربي أو الروسي.

قالت طه للقافلة “من رأيي الشخصي أنه لن تحدث حرب كاملة فإن رغبة الطرفين هو الخروج من الصراع بعد إثبات سيطرتهم، ولكن من المهم أن نفكر في خطورة أي مواجهة عسكرية بين دولتين مثل الولايات المتحدة وروسيا، حيث تمتلك الدولتين أسلحة نووية وقدرات عسكرية مدمرة تضع العالم بأكمله في خطر”.

وحسب الموقع الرسمي للبيت الأبيض صرح بايدن، أن الولايات المتحدة تحاول تفادي سيناريو الحرب، وأضاف بايدن “لدينا أسباب كافية لنعتقد أن روسيا لديها النية لمهاجمة أوكرانيا في الأيام القادمة، وستستهدف العاصمة الأوكرانية كييف حيث يوجد قرابة الثلاثة ملايين مدني”. وأضاف “نستعرض خطة روسيا مراراً وتكراراً ليس لأننا نريد الحرب ولكن لأننا نفعل ما بوسعنا لإزالة جميع الأسباب التي يمكن أن تأخذها روسيا كذريعة لاحتلال أوكرانيا”. 

مخاطر الأزمة

أي صراع عسكري بين دول كبرى، خاصةً تلك المتفوقة عسكرياً أو التي تمتلك سلاحًا نوويا، فمن المتوقع أن يؤثر على العالم كله، سواء على المستوى الاقتصادي، مستوى العلاقات الدولية، أو غيرها من التأثيرات الجيوسياسية. 

وأوضح فهمي للقافلة أن مخاطر غزو روسي لأوكرانيا عديدة وستؤثر على جميع الأطراف الدولية.  وأضاف أن “الوضع الاقتصادي الروسي لا يقارن بالوضع الاقتصادي الغربي، وإذا فُرضت عقوبات اقتصادية على روسيا سيكون الثمن ثقيلاً للغاية”.

 الغزو سيجعل الاضطراب في أوكرانيا يتفاقم، حيث أضاف فهمي أن “الحرب ستؤدي اضطراب في العلاقات الروسية الأوروبية مما يحد من امكانية التعاون بين روسيا وأوروبا مجالي الطاقة والتعاون الاقتصادي، حيث أن الدولتين من أكثر الدول المصدرة للمواد الغذائية وتحديدا القمح، والذي سيؤثر بدوره على صادراتهما”.

كما قال فهمي أيضاً أن التدخل المحتمل من قِبل دول الاتحاد الأوروبي سيؤدي إلى انقسام داخل الساحة الغربية، ومن ناحية أخرى خرجت الولايات المتحدة للتو من ساحات شرق أوسطية متعبة ومكلفة مثل أفغانستان والعراق، ولذلك فليس هناك رغبة أو استعداد من المجتمع الأمريكي للدخول في صدامات عسكرية غير ضرورية.

ويتضح ذلك في تصريحات بايدن، حيث دعا الكرملين، إلى العودة لطاولة الحوار. وذلك بعد قوله “نعتقد أن روسيا قد أتخذت قرار الغزو بالفعل، وإذا حدث ذلك ستكون قد أغلقت باب المفاوضات الدبلوماسية تماماً واختارت الحرب، وستدفع روسيا ثمن ذلك غالياً”. 

وقد صرح بوتين أيضاً قائلاً “لن يكون هناك منتصرون إذا قامت هذه الحرب”، في مؤتمره مع ماكرون، بحسب قناة RT الروسية. 

من ناحية أخرى شددت طه “لا أعتقد أن أياً من الأطراف سيستفيد من أي مواجهة عسكرية، ولكن يجب وضع الأزمة داخل سياق العنف العسكري المحتمل حتى إذا لم نتوقع حدوث الحرب”.

كما اقترح الرئيس الفرنسي ماكرون قمة بين بايدن وبوتين لمناقشة الأزمة. وقد شدد ماركو بينفاري، الأستاذ المساعد في قسم العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، على أهمية القمة المرتَقبة بين بايدن وبوتين قائلاً “بالطبع القمة بين الرئيسين ستكون أكثر فاعلية من زيارة ماكرون أو أولاف شولتز، المستشار الألماني، إلى موسكو، خاصةً أننا لم نعد نفهم الأهداف الروسية،” وأضاف “إذا كانت أهدافها الأولية هي ضمان عدم انضمام أوكرانيا لحلف الناتو وتنفيذ بنود اتفاق مينسك فيما يتعلق باستقلال إقليم دونباس، فإن الحلف صرح إنه ليس لديه أجندة فيما يتعلق بأوكرانيا، و صرح الاتحاد الأوروبي كذلك بأنه يدعم التنفيذ الكامل للاتفاق”.

وأوضح بينفاري أنه ربما رفعت الإدارة الروسية من سقف مطالبها عندما تصاعدت الأزمة، وهو ما ستظهره القمة المُنتظرة. 

كان يبدو أن الأزمة في طريقها للانتهاء حيث وعدت موسكو بسحب قواتها من الحدود رغم تكذيب الغرب لهذه النوايا. ذلك، بالإضافة إلى زيارة الرئيس الأوكراني لألمانيا واستخدامه مصطلح “حرب عالمية” في تصريحاته خلال مؤتمر ميونخ للأمن في ١٩ من فبراير الجاري حيث دعا لاتخاذ إجراءات فورية لتفادي حرب عالمية ثالثة. 

ولكن أعلن بوتين في خطاب مساء الإثنين الموافق ٢١ من نوفمبر الجاري إرسال قوات روسية إلى إقليمي دونيتسك ولوهانسك، شرقي أوكرانيا، وأعلنهما دولتين مستقلتين. المنطقتان كان يسيطر عليهما المتمردون منذ ٢٠١٤، كما قالت روسيا أن القوات هي لحفظ السلام في المنطقتين المستقلتين حديثاً. 

بعد خطاب بوتين الذي أعلن فيه عن “عمليات عسكرية محدودة”، وفي صباح الخميس الرابع عشر من فبراير، هاجمت القوات الروسية الحدود الأوكرانية، واستهدف القصف نقاط عسكرية أوكرانية قُرب العاصمة كييف وستة مطارات من ضمنهم مطار كييف. وقد أعلن وزير الخارجية الأوكراني أن “روسيا قد بدأت بغزو كامل للبلاد”. كما أعلن الرئيس الأوكراني الأحكام العُرفية على جميع أنحاء البلاد خلال فيديو نشره لطمئنة الشعب، كما صرح “نحن أقوياء ومستعدون لأي شيء، وسننتصر”، وأضاف أنه تواصل مع نظيره الأمريكي الذي وعد بدوره بحشد الدعم الدولي لأوكرانيا. وكان ذلك وفقًا لآخر تطورات القضية حتى يوم كتابة هذا المقال.