Opinionالقافلة

مؤشر السعادة بين الحروب والأوبئة: لا مكان للسعادة هنا

كتبت‭: : ‬ريهام‭ ‬سجيل

‭ ‬محررة

ماذا‭ ‬يعنيه‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬سعيدًا‭ ‬اليوم؟‭ ‬هل‭ ‬فكرت‭ ‬وأنت‭ ‬تهرول‭ ‬للوصول‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬إلى‭ ‬الجامعة‭ ‬هذا‭ ‬الصباح‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬حقًا‭ ‬سعيدًا‭ ‬أم‭ ‬لا؟

‭ ‬يحتفل‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬شهر‭ ‬مارس‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬باليوم‭ ‬العالمي‭ ‬للسعادة‭. ‬يوم‭ ‬تسعى‭ ‬فيه‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بتذكير‭ ‬الشعوب‭ ‬بمحوريّة‭ ‬الإحساس‭ ‬بالفرح‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حياة‭ ‬متوازنة‭ ‬ومرفّهة‭. ‬

أؤمن‭ ‬أنّ‭ ‬من‭ ‬أقسى‭ ‬المفارقات‭ ‬التي‭ ‬نعيشها‭ ‬في‭ ‬واقعنا‭ ‬هي‭ ‬معادلة‭ ‬الوفرة‭ ‬والقلّة‭. ‬كلّما‭ ‬ازداد‭ ‬العالم‭ ‬وفرة،‭ ‬ضاقت‭ ‬حدود‭ ‬السعادة‭.‬

تصفحت‭ ‬منذ‭ ‬أيام‭ ‬تقرير‭ ‬السعادة‭ ‬العالمي‭ ‬لهذه‭ ‬السنّة‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أعتبره‭ ‬مفارقة‭ ‬أخرى‭ ‬تزداد‭ ‬إلى‭ ‬القائمة‭. ‬يعتمد‭ ‬المؤشر‭ ‬على‭ ‬ستة‭ ‬معايير‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬الدخل‭ ‬السنوي‭ ‬و‭ ‬أمل‭ ‬الحياة‭ ‬عند‭ ‬الولادة‭ ‬والكرم‭ ‬والتكافل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والحرية‭ ‬ومعدّل‭ ‬الفساد‭. ‬للسنة‭ ‬الخامسة‭ ‬على‭ ‬التوالي،‭ ‬حصدت‭ ‬فنلندا‭ ‬الميدالية‭ ‬الذهبية‭ ‬وتبعتها‭ ‬بقية‭ ‬الدول‭ ‬الإسكندنافية‭. ‬تبوّأت‭ ‬مصر‭ ‬المرتبة‭ ‬التاسعة‭ ‬والعشرين‭ ‬بعد‭ ‬المائة،‭ ‬واحتلت‭ ‬تونس‭ ‬المرتبة‭ ‬المائة‭ ‬والعشرين‭. ‬على‭ ‬الأقّل‭ ‬أجد‭ ‬الآن‭ ‬تفسيرًا‭ ‬يشرح‭ ‬حالة‭ ‬الإكتئاب‭ ‬التي‭ ‬تجتاحني‭ ‬كلّما‭ ‬حان‭ ‬موعد‭ ‬السفّر‭ ‬إلى‭ ‬تونس‭. ‬

شهد‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬العقدين‭ ‬الأخيرين‭ ‬ثورات‭ ‬لا‭ ‬متناهية‭ ‬في‭ ‬العلم‭ ‬و‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬مليار‭ ‬شخص‭ ‬يرزخون‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬الجوع‭ ‬والأزمات‭ ‬الإقتصادية‭. ‬بينما‭ ‬يتوجه‭ ‬الإقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬نحو‭ ‬آفاق‭ ‬غير‭ ‬محدودة‭ ‬من‭ ‬الإنتاجية،‭ ‬تستمر‭ ‬نفس‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬الطبيعة‭ ‬بلا‭ ‬هوادة‭. ‬

يستغرب‭ ‬أصدقائي‭ ‬احتقاني‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التصنيفات‭ ‬التي‭ ‬يدعونها‭ ‬بالأفكار‭ ‬‮«‬الامبريالية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬بلداننا‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬محدودة‭. ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الأمر،‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬للسعادة‭ ‬مقياس‭ ‬علمي‭ ‬لتمكن‭ ‬الجميع‭ ‬من‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬الوصفة‭ ‬السحرية‭. ‬

لا‭ ‬أنكر‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الحكمة‭ ‬أن‭ ‬نتخلى‭ ‬أساسًا‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬أن‭ ‬السعادة‭ ‬سمة‭ ‬موضوعية‭ ‬يمكن‭ ‬مقارنتها‭ ‬عبر‭ ‬الحدود‭. ‬

بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬دقة‭ ‬تحليل‭ ‬البيانات،‭ ‬فإن‭ ‬الاستطلاع‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬إجابات‭ ‬غير‭ ‬موثوقة‭ ‬لا‭ ‬يستحق‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬معيارًا‭ ‬لتحديد‭ ‬درجة‭ ‬بؤسنا‭. ‬يمكنك‭ ‬أيضًا‭ ‬إجراء‭ ‬استطلاع‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬أسئلة‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬‮«‬ما‭ ‬هو‭ ‬سُمك‭ ‬الأرض‭ ‬المسطحة؟‮»‬

الحقيقة‭ ‬أنّ‭ ‬انحياز‭ ‬التقارير‭ ‬أو‭ ‬غياب‭ ‬مصداقيتها‭ ‬لا‭ ‬يغيّر‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬أننا‭ ‬فعلًا‭ ‬غير‭ ‬سعداء‭. ‬يبدو‭ ‬أنّنا‭ ‬نعيش‭ ‬أعنف‭ ‬الفترات‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية‭ ‬لا‭ ‬فقط‭ ‬سياسيًا‭ ‬و‭ ‬اقتصاديًا‭ ‬إنما‭ ‬الأمر‭ ‬يتجاوز‭ ‬المجموعة‭ ‬ليؤثر‭ ‬سلبًا‭ ‬على‭ ‬التوازن‭ ‬النفسي‭ ‬للأفراد‭.‬

‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تصاعد‭ ‬التحديات‭ ‬و‭ ‬عجزنا‭ ‬عن‭ ‬إنتاج‭ ‬سياسات‭ ‬تعاضد‭ ‬حجم‭ ‬التغيرات،‭ ‬هذه‭ ‬التقارير‭ ‬صفعة‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬البشرية‭ ‬وصنّاع‭ ‬القرار‭.‬

‭ ‬اختلف‭ ‬الفلاسفة‭ ‬والمفكرون‭ ‬منذ‭ ‬الأزل‭ ‬في‭ ‬ايجاد‭ ‬تعريف‭ ‬للسعادة،‭ ‬مفهوم‭ ‬يبدو‭ ‬شائكا‭ ‬للغاية،‭ ‬لكن‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭  ‬نتفق‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬السعي‭ ‬لتحقيق‭ ‬السعادة‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬نطاقها‭ ‬الفردي‭ ‬أو‭ ‬الجماعي‭ ‬يبقى‭ ‬حقًا‭ ‬مشروعًا‭ ‬لا‭ ‬بذخًا‭ ‬بيد‭ ‬فئات‭ ‬محدودة،‭ ‬حتى‭  ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬بلوغ‭ ‬الهدف‭ ‬أمرًا‭ ‬غير‭ ‬مضمون‭. ‬