Uncategorizedالسياسة

الدفاعُ عن القضية الفلسطينية على وسائل التواصل الاجتماعي

تحرير: مهند أبو سريع

صورة التقطها سلمى هاشم

طالب الكثيرون في المجموعةِ الفيسبوكيةِ الخاصة بطلبة الجامعة الأمريكية بالقاهرة بضرورة الخروج احتجاجًا على العدوان الذي يرتكبُه الجيش الإسرائيلي في حق الفلسطينيين في غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، على غرار تاريخ من الانتهاكات والاضطهاد امتد لعقود. خرج بعدها الطلبة بأعداد غفيرة لساحة الجامعة في مسيرة أولى تلتها الكثير من مثيلاتها، منددين بما يقع في فلسطين. 

الحقيقة أن ما حدث في حرم الجامعة الأمريكية بالقاهرة لم يكن استثناءً، بل هو واقعُ الحالِ في العديد من العواصم في الشرق الأوسطِ وشمال إفريقيا، وعلى الصعيدِ العالمي أيضًا.  تأمَّل كيف اجتمع مئات الآلاف من الأفرادِ في القاهرة، وعَمّان، والرباط، ولندن، وواشنطن وتحركوا جميعًا في جسدٍ واحد وخطوةٍ واحدة. 

وسائلُ التواصلِ الاجتماعي لها تلك القدرةُ الرهيبةُ على جمع وتحريك الجماهير وإعلاء صوتهم. لقد كانت ولازالت هذه المنصاتُ فضاءً  للنقاش والتوعيةِ بجَلَلِ المصيبة وأهميةِ النضالِ في سبيلِ مبادئ الإنسانية ولو بأبسط الأشكال.

مثال ذلك حملاتُ المقاطعةِ التي اجْتاحت وسائلَ التواصل الاجتماعي في مصر، مناشدة المصريين بوقفِ استهلاك المنتجات الغذائية التابعةِ لشركاتٍ أمريكيةٍ وأوروبيةٍ داعمةٍ لإسرائيل، منها مشروبات غازية، ووجبات خفيفة، و مطاعمُ الأكلِ السريع. وحسب مقال نشرته سكاي نيوز في الثالث من نوفمبر لهذا العام ، فإن المقاطعةَ كبدت الشركات خسائر بملايين الدولارات ودفعَتها لتخفيض أسعارِ منتجاتِها بشكلٍ كبير.

لا يمكن إنكارُ أن وسائلَ الإعلام الرئيسية المرئيةَ والمسموعةَ والمكتوبةَ كان لها دورٌ كبيرٌْ هي الأخرى في تغطية الأحداث الأخيرة في فلسطين، وتوفيرِ تحليلاتٍ شاملةٍ  وتحديثاتٍ عن الوضع السياسي والإنساني في القطاع.  إلا أن وسائلَ التواصلِ الاجتماعي تميزت بتوفيرِ مساحةٍ يستطيع أن يكون فيها المستخدم متلقيًا ومنشئًا للمحتوى في نفس الوقت، مُخوِّلة له إمكانيةَ التفاعل مع الخبر وإبداء الرأي.

فسّر خالد عز العرب، أستاذ ممارس في قسم الصحافة والتواصل في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، أهميةَ وسائل التواصل الاجتماعي في تغطية الأحداث بغزة قائلًا: ” في هذا الصراع بالتحديد، أصبحت التغطية خطيرة بالنسبة للصحفيين، عدد قليل من المنابر الإعلامية لديها مراسلونَ في غزة، وقد بات من المستحيل تغطيةُ كل مناطقِ القطاع؛ لأنها لم تعد قابلةً للولوج”.

أضاف عز العرب: “وسائلُ التواصل الاجتماعي تلعب دورًا كبيرًا في ملء هذه الفجوة الموجودةِ على مستوى التغطية، وذلك عن طريق الصحافة المواطنة. هناك أناس من هذه المناطق ليسوا بإعلاميين لكنهم يقومون بما يقوم به الإعلامي من تصوير ومقابلات، يوثقون ما يحدث ويتحدثون عنه ويقومون بنشر هذه المواد على وسائل التواصل الاجتماعي، بل وحتى يسمحون لوسائل الإعلامِ الرئيسية بمشاركة هذه المواد”.

باتت وسائلُ التواصل الاجتماعي إذنْ وسيلةً لخلق إعلامٍ  تفاعلي متاح للجميع. قد لا يكون بديلًا عن عمقِ التحليل الذي توفره وسائل الإعلام الرئيسية، لكنه حتمًا أقل تقييدًا لمرور المعلومات، وأقل تعرضًا للرقابة على المواد الجرافيكية كما هو الحال في وسائل الإعلام الرئيسية. فعقب قصف الجيش الإسرائيلي مستشفى المعمداني في السابع عشر من أكتوبر الماضي، اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي صور جرافيكية لأطفالٍ قتلوا في المجزرة وتناثرت أشلاؤهم على الأرض. 

بينما قد يعتبر البعض هذه الصور مروعة، وأنه لم يكن من المفترض نشرها خصوصًا وهي بهذه البشاعة والدموية، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي جعلتها وسيلةً لإظهار جزء من جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل، خاصة وسط صمت دولي وعجز عالمي عن المطالبة بوقف إطلاق النار على الأقل، وتشكيكِ الرئيس الأمريكي جو بايدن في عدد الأطفال الذين قتلوا منذ بدايةِ الأحداث الأخيرة.

ساهمت منشورات وسائل التواصل الاجتماعي حول ما يقع في غزة في جعل الأفراد أكثر من مجرد متلقين مغيَّبِين للمعلومة، وخلقت شكلًا جديدًا للدفاع عن القضية الفلسطينية: الدفاع الافتراضي. شكل هذا الدفاع الافتراضي آليةَ تمكينٍ للمواطن العادي، تُشعِره أنه ليس شخصًا بلا حول ولا قوة، يسكتُ أمام الجرائم التي تقع على مرأى ومسمع منه، بل هو قادرٌ على المساعدة ولو بنشر المعلومة.  

النضال على وسائل التواصل الاجتماعي يخاطب ضمائرَنا، يُخبرنا أنْ لا كُتِمَ لكم صوتً، وأن الساكت عن الظالم متواطئُُ معه. غير أن هذا النشاط ليس كله ورديا وملهمًا، فغالبًا ما تبرز على الواجهة إشكاليات مثل المعلومات المغلوطة والأخبار الزائفة.

يقول عز العرب: ” الكثير من الأخطاء قد تحدث. احتمالية انتشار المعلومات الكاذبة والمضللة على وسائل التواصل الاجتماعي أكبر. الخوارزمية تروج للمعلوماتَ الأكثرَ تفاعلًا على حساب المعلومات الدقيقة والمعتمدة. والأخبار الكاذبةُ بالطبع تتلقى تفاعلًا أكثر من الأخبار الأخرى. الإعلاميون في وسائل الإعلام الرئيسية حتى لو كان لديهم تحيز، فإنهم على درجة من المصداقية” .

المؤثرون على  شبكات التواصل الاجتماعي هم الآخرون كان لهم دور أساسي في النضال الإلكتروني؛ وذلك عن طريق استعمال منصاتِهم التي يتابعها الآلاف وأحيانًا الملايين، في سبيل الدفاع عن القضية الفلسطينية. 

 تحدثت القافلة مع مريم سوليكا، احدى المؤثرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي تدير منصة”The Good News” والتي يتابعها ما يقارب المائة ألف شخص عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي.  

علقت سوليكا: ” استراتيجيتي هي أن أحاول دفع الناس ليتحولوا من متلقين إلى منتجين. بدل أن يتلقوا الخبر الإيجابي، أريدهم أن يصنعوا هم الخبر الإيجابي، وذلك من خلال مقاطع فيديو توعوية حول القضية، أستخدم فيها خلفيتي الإعلاميةَ  لشرح الاستراتيجيات التي يستعملها الإعلام في الدفاع عن الطرف الآخر [إسرائيل]”.

عبرت سوليكا عن أهمية مشاركة مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي في الدفاع الإلكتروني عن القضية الفلسطينية: “أعتقد أن لدى المؤثرين  مسؤولية كبيرة في الدفاع عن القضية مهما كان مجال محتواهم، لأننا قادرون على الوصول لأعدادٍ كبيرة. أن تنشرمثلًا مقطع فيديو ليشاهده ستون ألف متابعًا، ويشاركه خمسة آلاف منهم يعتبر شيئًا عظيمًا يجب استغلاله” .

أضافت سوليكا: “آخر مقطع فيديو رفعته كان باللغة الإنجليزية وصل لعدد كبير من الأجانب أكثر من العرب، وقد أسعدني ذلك لأنه يعني أن لدينا خط دفاع كبير جدًا من العرب وغير العرب”.

يتميز المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي بقدرته على الوصول للأفراد من مختلف بقاع العالم، ويعتبر ذلك أساسيًا  في الصراع الفلسطيني الذي يجب أن يتعدى صداه حدود المنطقة العربية ليخبرَ العالم بدقة ووضوح عن الويلات يعيشها الشعب الفلسطيني في ظل رواية الإعلام الغربي المنحازة لإسرائيل