Uncategorizedالسياسة

بيت لحم: حيث ولد المسيح

تحرير: منار محمد

صورة التقطها داود السنيورة

في يومنا هذا يقع بيت لحم في الضفة الغربية في الجزء التابع  للسلطة الفلسطينية على بعد عشرة كيلومترات جنوب القدس، وهي محافظة تنقسم لثلاث مدن: بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور تعدادها السكاني يقدر بـ ٣٠٠٠٠  نسمة، ويحيط بها جدار الفصل العنصري الذي أقامته إسرائيل سنة ٢٠٠٢ بعد انتفاضة الأقصى؛ لعزل المناطق الفلسطينية عن المستوطنات الإسرائيلية.

علّق داوود سنيورة، أستاذ بقسم الرياضيات بالجامعة الأميركية في القاهرة، في مقابلة أجراها مع القافلة، بأن “المسيح من فلسطين. ولأنه قُتِل وصُلِب في النهاية فداءًا لرسالته؛ نقول إن ‘أول فدائي فلسطيني’، والنضال الفلسطيني عبارة عن التضحية بالذات والماء والروح من أجل تحرير الأرض”. 

هكذا يبرز الثقل الديني التاريخي والحضاري لمدينة بيت لحم، مكان ميلاد المسيح. نشأت المدينة منذ العهد الكنعاني الذي امتد ما بين القرن السابع إلى القرن الرابع قبل الميلاد. وسُميت بيت لحم على اسم مدينة في جنوب القدس اسمها بيت إيلو لاهاما، الذي يعتبر إله الطعام في الحضارة الكنعانية.

بدءًا من العمارة والبناء والأقواس، والكنائس العريقة مثل كنيسة السالزيان وكنيسة القديسة كاترينا ودير القرنطل، وجمال المناظر، والصناعات التقليدية مثل عصر الزيتون، تقف بيت لحم شامخة، رمزا للحب والسلام والعراقة، ومنارة للتعايش بين الديانات، تعد بالحرية والخلاص رغم أنف المستعمر.

قال سنيورة، “من أحلى الذكريات حين أجتمع مع عائلة أمي. حين كنت طفلًا كنت أسعد جدًا بالذهاب لبيت لحم لأزور ‘سيدي وستي’ [جدتي وجدي] من ناحية أمي. لقد توفوا الآن لكن كل أخوالي وخالاتي حاليًا ما زالوا في بيت لحم. كان عِماد ابنتي الصغيرة في بيت لحم في الصيف قبل شهرين”.

قطع سنيورة خيط الذكريات السعيدة مضيفًا: “لكن بعد الانتفاضة الثانية [سنة ٢٠٠٠] زرع الجيش الإسرائيلي مئات الحواجز في الضفة الغربية. حينما تجد الطابور طويلاً لدخول بيت لحم، تضطر للرجوع والدخول من حاجز ثانٍ، وهذا كله لولوج المدينة. لنقل مثلا أنك تريد الذهاب من التجمع الخامس لمدينة نصر، يجب أن تمر بحواجز عسكرية وتقف في صف وتنتظر بالساعتين والثلاث”.

حسب مركز المعلومات الوطني الفلسطيني، فإن الجيش الإسرائيلي ينصب الحواجز العسكرية في الضفة الغربية لتفتيش المواطنين الفلسطينيين وإخضاعهم واعتقالهم ، وتنتشر الكثير منها على جدار الفصل العنصري. آخر رقم لعدد الحواجز كان بتاريخ سبتمبر ٢٠١١ أصدره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، وكشف أن هناك ٥٢٢ حاجز يعرقل حركة الفلسطينيين في الضفة الغربية، و ٤٩٥ حاجزا طيارًا في المتوسط كل شهر.

أضاف سنيورة “تجد جنديًا من روسيا أو فرنسا أو ألمانيا عمره ١٧ سنة يوقف شعبًا بأكمله بغرض الإذلال فقط. يتفقدون بطاقة هويتك، ويفتشون السيارة، وقد يطلبون منك النزول والوقوف في الشمس. قصص الحواجز مأساة لوحدها؛ لدرجة أن هناك نساء حوامل وضعن أطفالهن في الحاجز”.

ما ينصبه الجيش الإسرائيلي من حواجز يحول دون تمكين العديد من الفلسطينيين من زيارة الأقارب ودخول المؤسسات الدينية في بيت لحم إلا نادرًا في المناسبات السنوية. وحسب سنيورة، فإن العائلات الفلسطينية لا ترى بعضها إلا ثلاث أو أربع مرات في السنة، وتنتظر عيد الميلاد وعيد الأضحى لتزور بعضها.

 بيت لحم مقصد للحجاج المسيحيين وكذلك السياح، فأقدم كنيسة على الوجود موجودة هناك، وهي كنيسة المهد التي بنتها الملكة هيلانة والدة الإمبراطور الروماني قسطنطين، وأمر الإمبراطور جستنيان بترميمها  في سنة ٥٣٥.  وحسب كتاب ياسر خالدي  فسخرية الأقدار أو ربما العبرة تكمن في أن الإمبراطورية الرومانية  نفسها التي صلبت المسيح، أصبحت لاحقًا مسيحية الديانة.

تندرج كنيسة المهد ضمن لائحة اليونيسكو للتراث العالمي، ويحيط كنيسة المهد في بيت لحم عدة أديرة وكنائس أخرى، كالدير الأرمني في الجنوب الغربي، والدير الأرثذوكسي في الجنوب الشرقي، ودير الفرنسيسكان في الشمال. 

علق سنيورة، “أحب ساحة المهد حيث كنيسة المهد، مدخلها من الحجر وارتفاعه قصير، فكل من أراد الدخول يضطر أن ينحني. أجزاء كثيرة من أرضية الكنيسة مصنوعة من الفسيفساء القديمة جدًا، ويُمنع المشي عليها لقيمتها الكبيرة”.

من أشهر الشوارع في بيت لحم شارع “النجمة”، إذ يُعتقد أن العائلة المقدسة عبرت من هناك إلى المغارة حيث بُنيت كنيسة المهد لاحقًا. يربط الشارع حاليًا الكنيسة بالبلدة القديمة، وتم إدراجه هو الآخر على قائمة اليونيسكو سنة ٢٠١٢.  سُمي الشارع على نجم بيت لحم، أو نجم الميلاد، الذي قاد الملوك المجوس الثلاثة لمكان المسيح حين وُلد، فسجدوا له وقدموا الهدايا. 

نسبة معتنقي الديانة المسيحية في فلسطين لا تتجاوز الواحد بالمائة، رغم أن المسيحية بدأت من بيت لحم. العديد من مسيحيي بيت لحم هاجروا بعد الانتفاضة الثانية وإقامة الجدار. ورغم ذلك، فإن التعايش والتفاهم هو السائد بين مختلف المعتقدات في فلسطين وبيت لحم. 

أخبرت كارلا فرح، طالبة هندسة إنشاءات من غزة في الجامعة، القافلة أنه “لدينا مسيحيون ومسلمون ويهود، ونحن نحب بعضنا البعض، ولدي أصدقاء مسلمون أحترمهم ويحترمونني. الدين هنا ليس مهمًا لأننا نعاني جميعًا من نفس الوضع، ونواجه نفس العدو”.

فرح هي الأخرى لم تستطع زيارة بيت لحم أو الصلاة هناك بسبب تعقيدات الحصول على تصريح الخروج، أضافت أيضًا: “في عيد الميلاد أفتح التلفاز؛ لأشاهد القداس في بيت لحم. لم أستطع يومًا المشاركة. أرى أناسًا من خارج فلسطين يتحركون داخل بلدي بحرية لكنني لا أستطيع، وهذا يجعلني حزينة وغاضبة. أريد العيش في بلدي دون احتلال يمنعني من ممارسة شعائري الدينية”.