Arts and CultureFeaturedOpinionالقافلة

رواية الطنطورية: حكاية رقية في قرية طنطورة

[ رضوى عاشور  [٢٦ مايو ١٩٤٦ – ٣٠ نوفمبر ٢٠١٤

كتبت ياسمين شاهين

تتناول الرواية مذبحة وقعت على يد الصهاينة عام ١٩٤٨ بقرية الطنطورة، المتواجدة على الساحل الفلسطيني جنوب حيفا. يعتبر هذا الحدث المنطلق الرئيسي لأحداث القصة، حيث تتابع حياة عائلة اقتلعت من القرية وحياتها عبر ما يقرب من نصف قرن حتى الآن مروراً بتجربة اللجوء في لبنان.

بطلة الرواية هي امرأة من القرية يتابع القارئ حياتها منذ الصبا إلى الشيخوخة تدعي رقيه. الرواية تمزج في سطورها بين الوقائع التاريخية من ناحية و الإبداع الأدبي من ناحية أخرى.

تحكي رقية كم كانت الطنطورة قرية وادعة، وتحكي أنه لم يخطر في بال سكانها أن شراً مستطيراً سوف يصيبهم. كانوا موقنين بأن النصر للعرب. ولمّا وصل إلى الطنطورة بعض أهالي قيسارية بعد سقوطها، ما عاملوهم كلاجئين، بل كضيوف، وكان نصيب عائلة رقية أمّاً وولديها.

ورقية عاشت هناك أيام الطفولة، وأول المراهقة، وكان لها أول لقاء مع شاب بهي الطلعة طلع أمامها فجأة، لم يتكلما كثيراً، لكن الشاب ابن القرية المجاورة، عين غزال، واسمه يحيى، عاد وتقدم لخطبتها، وتمت الخطبة قبل أن تقتلع العصابة الصهيونية الأهل والجيران، ويرحل كل منهما إلى مكان.

تحكي رقية كم كانت الطنطورة قرية وادعة، وتحكي أنه لم يخطر في بال سكانها أن شراً مستطيراً سوف يصيبهم. كانوا موقنين بأن النصر للعرب. ولمّا وصل إلى الطنطورة بعض أهالي قيسارية بعد سقوطها، ما عاملوهم كلاجئين، بل كضيوف، وكان نصيب عائلة رقية أمّاً وولديها.

أول خلاف عائلي حاد نشأ بين أبيها «أبو الصادق» وعمها «أبو الأمين» كان يوم قرر أبو الأمين أن يرحل إلى صيدا عن طريق البحر لينقذ النساء والأطفال على الأقل، قائلاً إن اليهود احتلوا حيفا في يومين، فكيف بالطنطورة؟ ورد عليه أخوه الأكبر أبو الصادق،» حيفا نصفها يهود، هم على الجبل ونحن في السهل. وضعنا يختلف. سيحمي الشباب زمام البلد، والحراسة موزعة من الشمال والجنوب والشرق. والقرى التي في الجبل عرب لا يهود. أهل عين غزال وجبع وأجزم صدوا الهجوم ولسنا أقل منهم. الله يسهل عليك، ارحل انت وزوجتك وابنك. ولكن أنا حر في أهل بيتي.»

ـ وهل صرنا بيتين يا أبو الصادق؟

ـ نعم صرنا بيتين

لن تنسى رقية الليلة الأخيرة قبل الاقتلاع. حكى لها أبوها عن أجمل ذكرياته، أما صباح اليوم التالي فكانت الكارثة، إذ ذهبوا الأولاد مع أمهاتهم، ولم تعلم أين أخذوا الرجال.

ومن هنا تبدأ الحكاية. هجرة إلى الفريديس القريبة، ثم إلى الخليل، وتمر أشهر اللجوء الأولى الصعبة من الوطن إلى الوطن، حتى تقرر أم الصادق اللحاق بعائلة أبي الأمين في صيدا، التي وصلوا إليها في مطلع العام التالي. أم الصادق، المرأة التي نظرت إلى أكوام القتلى، لم تر زوجها وولديها، ولم تصدق شهادة الشباب الذين قاموا بدفنهم، عاشت بقية عمرها تقول للناس إن زوجها معتقل لدى الإسرائيليين، وولداها الصادق وحسن تمكنا من الهروب إلى مصر.

جوهر هذه الحكاية فليس الأحداث نفسها ولكن الشخصيات، فالبطل هنا هو حياة اللاجئ اليومية في المخيم.

نتوقف عند أبو الأمين اللاجئ الذي رفض استيعاب معنى أن يكون لاجئاً. سكن في صيدا خارج المخيم، وكان يتحاشى دخول المخيم. رفض أن يسجّل اسمه وأسماء أفراد عائلته في وكالة الغوث. ابنه عز الدين فعل ذلك من دون علمه، حفاظاً على الهوية. أما بعد «الثورة».

ثمة بطل مستقل بشخصيته في «الطنطورية» هو مفتاح الدار ف كل امرأة في المخيم كانت تحتفظ بمفتاح الدار الحديدي حول رقبتها، أو في مكان أمين جداً. أم الأمين، أعطت رقية بعد وفاة أمها مفتاح الدار، وتعجبت رقية حين علمت بأن أمها كانت تضعه حول رقبتها من دون انقطاع. وهكذا فعلت مثلها. وتروي رقية ماذا فعل أهل مخيم عين الحلوة في اليوم الأول لحرب حزيران ١٩٦٧:

«أخرجوا مفاتيح دورهم واستعدوا بهوياتهم وأوراق الطابو (سندات الملكية) التي تثبت ملكيتهم للأراضي والبيوت». وتعود لتتحدث كيف ابتدأت النساء يعرّبن الثياب: ماذا للعودة وماذا يفرقن. أما أم الأمين، وقد كانت تسكن صيدا لا المخيم، فهي راحت تطوف على الجيران وجيران الجيران تودعهم وتدعوهم لزيارتها في الطنطورة، وتقول: «دارنا واسعة وأهلاً وسهلاً بالجميع. أمانة لا تطوّلوا علينا. سنكون في الانتظار».

مرت السنوات الطوال، وتحرر الجنوب. وكانت رقية قد عادت لتسكن في صيدا، وعلمت بأن باصات كبيرة ستحمل اللاجئين نحو الحدود، هناك حيث يلتقون بالجموع القادمة من فلسطين المحتلة، فذهبت لتشارك في هذا اليوم العظيم. وكان الدعاء في الباصات ينطلق للسيد حسن نصر الله. وهناك عبر الأسلاك الشائكة كان كلام وأشواق وتحيات وأخبار، وفوجئت رقية بابنها حسن، وكان في زيارة لفلسطين من باريس، يقف على الجانب الآخر من الأسلاك مع زوجته وولديه، و الطفلة الوليدة رقية، وتناولت رقية الجدة الطفلة من فوق الأسلاك، قبلتها، وفكرت ماذا تهديها، فقامت بنزع المفتاح من عنقها وتعليقه على رقبة الطفلة.

في المشهد الأخير نرى رقية وهي ذاهبة إلى المخيم لتبحث عن فتى رسام كانت التقته في الرحلة إلى الجنوب اللبناني مصادفة. فتح أمامها دفتر رسوماته، كان حقا موهوباً. سألته عن مكان سكناه. فذهبت تبحث عن ناجي: عن الأمل.

هذه الرواية تعتبر غير تقليدية، حيث أن كتابة عاشور دمجت بين أحداث وشخصيات وتقارير رسمية لتصبح جزءاً لا يتجزأ من الرواية نفسها. قد تمكنت من القيام بذلك رغم أنها ليست من أصول فلسطينية، وكانت قابلة على التعبير عن اللجوء وروت أحداث القصة كأنها جزء منها.