FeaturedHome Page

المعادلة الصعبة: هل يجلب المال السعادة؟

تقرير‭: ‬منة‭ ‬هارون‭ ‬

يُعتبر‭ ‬المال‭ ‬عند‭ ‬البعض‭ ‬إحدى‭ ‬أدوات‭ ‬السعادة،‭ ‬ولأن‭ ‬السعادة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الأهداف‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان،‭ ‬فقد‭ ‬يؤثر‭ ‬وجود‭ ‬المال‭ ‬من‭ ‬عدمه‭ ‬سعادة‭ ‬الإنسان،‭ ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬يعني‭ ‬غياب‭ ‬المال‭ ‬غياب‭ ‬السعادة؟

وفقًا‭ ‬إلى‭ ‬موقع‭ (‬Investopedia‭) ‬الإلكتروني،‭ ‬أوضحت‭ ‬أبحاث‭ ‬الدراسة‭ ‬الأكاديمية،‭ ‬اقتصاديات‭ ‬السعادة،‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الرضا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الفردي‭ ‬وبين‭ ‬قضايا‭ ‬الاقتصاد‭ ‬من‭ ‬حوله،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬الأشخاص‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الأكثر‭ ‬ثراء‭ ‬وذات‭ ‬دخل‭ ‬مرتفع‭ ‬مثل‭ ‬سنغافورة،‭ ‬يميلون‭ ‬إلى‭ ‬السعادة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬البلاد‭ ‬الفقيرة‭ ‬والأقل‭ ‬ثراءًا‭ ‬مثل‭ ‬ليبيريا‭ ‬وجمهورية‭ ‬الكونغو‭.‬

يعتقد‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬عز‭ ‬العرب،‭ ‬أستاذ‭ ‬في‭ ‬قسم‭ ‬التاريخ‭ ‬والاقتصاد‭ ‬المصري‭ ‬بالجامعة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬علاقة‭ ‬واضحة‭ ‬بين‭ ‬الفقر‭ ‬والسعادة،‭ ‬خاصةً‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬أنظمة‭ ‬رعاية‭ ‬اجتماعية‭.‬

توفر‭ ‬أنظمة‭ ‬الرعاية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المساعدة‭ ‬للأفراد‭ ‬والأسر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬برامج‭ ‬مختلفة‭ ‬مثل‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية،‭ ‬التعويض‭ ‬عن‭ ‬البطالة،‭ ‬والمساعدات‭ ‬السكنية،‭ ‬ولكن‭ ‬قال‭ ‬عز‭ ‬العرب‭ ‬أنها‭ ‬غير‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬بطريقة‭ ‬كافية‭ ‬وفعالة‭. ‬

فوضح‭ ‬عز‭ ‬العرب‭: ‬‮«‬لو‭ ‬الدولة‭ ‬مش‭ ‬متحملة‭ ‬مسؤولية‭ ‬توفير‭ ‬خدمات‭ ‬أساسية‭ ‬بما‭ ‬فيهم‭ ‬ضمان‭ ‬أجر‭ ‬حد‭ ‬أدنى‭ ‬مقبول،‭ ‬بيكون‭ ‬الشخص‭ ‬عنده‭ ‬مشاكل‭ ‬لانه‭ ‬مش‭ ‬قادر‭ ‬يوفر‭ ‬الحاجات‭ ‬ديه،‭ ‬فهنا‭ ‬هيكون‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬مباشرة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الفقر‭ ‬وبين‭ ‬السعادة‭.‬‮»‬

قال‭ ‬حكيم‭ ‬المشرقي،‭ ‬أستاذ‭ ‬مساعد‭ ‬في‭ ‬قسم‭ ‬الإدارة‭ ‬بالجامعة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬أن‭ ‬حالة‭ ‬الاكتئاب‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬المصري‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬ربطها‭ ‬بالمستوى‭ ‬الاقتصادي‭ ‬للبلد‭ ‬حاليًا،‭ ‬خاصة‭ ‬منذ‭ ‬التضخم‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬منذ‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭.‬

قال‭ ‬المشرقي‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬أصبح‭ ‬الناس‭ ‬فقراء‭ ‬بمقدار‭ ‬نصف‭ ‬ما‭ ‬كانوا‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬انخفاض‭ ‬قيمة‭ ‬العملة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬انخفاض‭ ‬قدرتهم‭ ‬الشرائية‭ ‬إلى‭ ‬النصف‭ ‬تقريبًا،‭ ‬لذلك‭ ‬هناك‭ ‬خيبة‭ ‬أمل‭ ‬بين‭ ‬الطبقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬كلها،‭ ‬لأنهم‭ ‬شعروا‭ ‬بالعجز‭.‬‮»‬

كما‭ ‬أشار‭ ‬المشرقي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬شعور‭ ‬الطبقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ذات‭ ‬الدخل‭ ‬المحدود‭ ‬بالعجز‭ ‬يرجع‭ ‬إلى‭ ‬إحساسهم‭ ‬بأنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬مقدورهم‭  ‬القيام‭ ‬به‭. ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬أشياء‭ ‬اعتادوا‭ ‬القيام‭ ‬بها‭ ‬ولكنهم‭ ‬غير‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بها‭ ‬بعد‭ ‬بسبب‭ ‬تلك‭ ‬الأزمة‭. ‬وذلك‭ ‬ملحوظ‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬نواحي‭ ‬حياتهم،‭ ‬كالغذاء،‭ ‬التعليم،‭ ‬المسكن،‭ ‬والترفيه‭.‬

يعتقد‭ ‬عمرو‭ ‬يحيى،‭ ‬أخصائي‭ ‬الطب‭ ‬النفسي‭ ‬ومدرس‭ ‬مساعد‭ ‬في‭ ‬قسم‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬بجامعة‭ ‬عين‭ ‬شمس،‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مستوى‭ ‬الدخل‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬المؤثرة‭ ‬على‭ ‬سعادة‭ ‬الإنسان،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬معينة‭ ‬فقط‭. ‬

قال‭ ‬يحيى‭: ‬‮«‬لو‭ ‬هنعتبر‭ ‬الدخل‭ ‬حاجة‭ ‬اسمها‭ ‬عامل‭ ‬ضغط‭ ‬على‭ ‬الفرد‭ ‬وبيأثر‭ ‬عليه،‭ ‬فده‭ ‬ممكن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬قلق‭ ‬مزمن‭ ‬وإلي‭ ‬الاكتئاب‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭.‬‮»‬

فأوضح‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الشخص‭ ‬يعاني‭ ‬دائمًا‭ ‬من‭ ‬فجوة‭ ‬عجز‭ ‬بين‭ ‬مستوى‭ ‬دخله‭ ‬والأشياء‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬شرائها،‭ ‬فسيظل‭ ‬دائمًا‭ ‬تحت‭ ‬ضغط‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬نقص‭ ‬الأموال‭ ‬بحد‭ ‬ذاته‭ ‬لا‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الاكتئاب‭.‬

وفقًا‭ ‬إلى‭ ‬موقع‭(‬Economics Help‭) ‬الإلكتروني،‭ ‬حينما‭ ‬يزداد‭ ‬معدل‭ ‬دخل‭ ‬الأفراد‭ ‬محدودي‭ ‬الدخل،‭ ‬تزداد‭ ‬نسبة‭ ‬سعادتهم،‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬يمُكّنهم‭ ‬من‭ ‬شراء‭ ‬السلع‭ ‬والخدمات‭ ‬الضرورية‭ ‬لأساسيات‭ ‬الحياة‭ ‬مثل‭ ‬الغذاء‭ ‬والمأوى‭ ‬والتعليم‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل‭. ‬

ولكن‭ ‬عندما‭ ‬يصل‭ ‬الدخل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬معين،‭ ‬لن‭ ‬تتعلق‭ ‬الزيادة‭ ‬في‭ ‬المال‭ ‬نسبيًا‭ ‬بزيادة‭ ‬السعادة‭. ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬أكد‭ ‬يحيى‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬يجني‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬أكثر‭ ‬سعادة‭.‬

فأوضح‭ ‬يحيي‭: ‬‮«‬عندما‭ ‬أحصل‭ ‬على‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المال،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬يعني‭ ‬أنني‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬معيشي‭ ‬أعلى،‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬قد‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬لساعات‭ ‬أطول‭.‬‮»‬

أعلن‭ ‬معهد‭ ‬أبحاث‭ ‬السعادة‭ ‬أن‭ ‬فنلندا‭ ‬هي‭ ‬أسعد‭ ‬بلد‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬‮٢٠١٩‬،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ناتج‭ ‬إجمالها‭ ‬المحلي‭ ‬ليس‭ ‬الأعلى،‭ ‬حيث‭ ‬أنها‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬المركز‭ ‬الواحد‭ ‬والثلاثين‭ ‬عالميًا‭.‬

‭ ‬إجمالي‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬هو‭ ‬بحث‭ ‬لقياس‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصادي‭ ‬للبلاد‭.‬

يُرجع‭ ‬موقع‭ (‬Economics Help‭) ‬الإلكتروني،‭ ‬هذه‭ ‬النتائج‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬فنلندا‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬اعلى‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬جوانب‭ ‬مختلفة‭ ‬مثل‭ ‬الدعم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ومعدل‭ ‬العمر‭ ‬المتوقع،‭ ‬حرية‭ ‬اتخاذ‭ ‬خيارات‭ ‬الحياة،‭ ‬مستويات‭ ‬الفساد‭.. ‬وأخيرًا‭ ‬والأهم،‭ ‬مستوى‭ ‬الكرم‭.‬

فوفقًا‭ ‬لاستطلاع‭ ‬رأي‭ ‬أجرته‭ ‬مؤسسة‭ ‬غالوب،‭ ‬شركة‭ ‬تحليلات‭ ‬واستشارات‭ ‬أمريكية،‭ ‬فإن‭ ‬نصف‭ ‬الفنلنديين‭ ‬تقريبًا‭ ‬يتبرعون‭ ‬بانتظام‭ ‬للجمعيات‭ ‬الخيرية،‭ ‬وأن‭ ‬حوالي‭ ‬ثلثهم‭ ‬يتطوعون‭ ‬للجمعيات‭ ‬الخيرية‭ ‬شهريًا‭.‬

فأكد‭ ‬يحيى‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬التبرع‭ ‬والعطاء‭ ‬للجمعيات‭ ‬الخيرية‭ ‬عامل‭ ‬مهم‭ ‬لزيادة‭ ‬معدل‭ ‬السعادة‭ ‬لدى‭ ‬الأشخاص،‭ ‬لأنه‭ ‬يمد‭ ‬الناس‭ ‬القائمين‭ ‬به‭ ‬بشعور‭ ‬الرضا‭ ‬عن‭ ‬النفس‭.‬

كما‭ ‬أنه‭ ‬ربط‭ ‬مستوى‭ ‬رضا‭ ‬الأفراد‭ ‬بمرونتهم‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬من‭ ‬حولهم‭.‬

أضاف‭ ‬يحيى‭: ‬‮«‬يوجد‭ ‬أشخاص‭ ‬لديهم‭ ‬مستوى‭ ‬دخل‭ ‬منخفض‭ ‬ولكن‭ ‬لديهم‭ ‬شعور‭ ‬بالرضا‭ ‬في‭ ‬حياتهم،‭ ‬بينما‭ ‬هناك‭ ‬أشخاص‭ ‬آخرون‭ ‬ذو‭ ‬دخل‭ ‬أعلى،‭ ‬لكنهم‭ ‬ليسوا‭ ‬مرنين‭ ‬بالقدر‭ ‬الكافي‭ ‬ودائمًا‭ ‬ما‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬أشياء‭ ‬لا‭ ‬يملكونها‭ ‬وبالتالي‭  ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬التوتر‭ ‬والاكتئاب‭.‬‮»‬

أوضح‭ ‬المشرقي‭: ‬‮«‬في‭ ‬رأيي‭ ‬الشخصي،‭ ‬عندما‭ ‬بدأ‭ ‬اهتمام‭ ‬الناس‭ ‬يتوجه‭ ‬أكثر‭ ‬إلى‭ ‬منتجات‭ ‬الاستهلاكية،‭ ‬بدأوا‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المال،‭ ‬وذلك‭ ‬ما‭ ‬جعلهم‭ ‬أقل‭ ‬سعادة‭.‬‮»‬‭ ‬

ربط‭ ‬عز‭ ‬العرب‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬سلوك‭ ‬المستهلكين‭ ‬ومستوى‭ ‬رضا‭ ‬الأفراد‭ ‬بمفهوم‭ ‬الفائدة‭ ‬الهامشية،‭ ‬وهو‭ ‬مفهوم‭ ‬يُستخدم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬لتحديد‭ ‬مدى‭ ‬رضا‭ ‬المستهلكين‭ ‬مقارنة‭ ‬بكمية‭ ‬استهلاكهم‭ ‬للسلع‭ ‬أو‭ ‬الخدمات‭.‬

فعلق‭ ‬عز‭ ‬العرب‭: ‬‮«‬إن‭ ‬مفهوم‭ ‬الفائدة‭ ‬الهامشية‭ ‬بسيط‭ ‬للغاية،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬كلما‭ ‬زاد‭ ‬استهلاك‭ ‬الفرد‭ ‬من‭ ‬شيء‭ ‬معين،‭ ‬قلت‭ ‬كمية‭ ‬المتعة‭ ‬الذي‭ ‬يحصل‭ ‬عليها‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭.‬‮»‬‭ ‬

وقال‭ ‬أيضًا‭ ‬إن‭ ‬السعادة‭ ‬لا‭ ‬ترتبط‭ ‬بالضرورة‭ ‬بالاستهلاك‭ ‬المادي،‭ ‬لأن‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬يسبب‭ ‬الشراء‭ ‬المفرط‭ ‬التعاسة‭ ‬للأفراد‭.‬