القافلة

هُنَّ

‎كتبت: مريم البرنس
مديرة تحرير قسم اللغة العربية

‎لم أعتد أبدًا أن أُلقي بالًا ليوم الثامن من مارس، ولم أستشعر كذلك أهميته في عالم لم أرَ فيه أبدًا الفرق بين حقوق هذا وذاك، فكان الكل في عيني سواء، وللجميع فُرَص متكافئة بالضرورة، لأنه هكذا تجري الأمور وهكذا تجري الحياة، بلا تنازلات. كان هذا حتى العام الماضي فقط. عندما أُرغِمتُ أن أضع الآتي نصب عيني لأختار ما أريد في هذه الحياة.

‎في عالم تسوده الحركات الاجتماعية والفكرية والشِعارات الرنانة، لم أظن أنه علي أن أسير طريقًا محفوفًا بالمتاعب والاختيارات الصعبة، وهذا أحد الأشياء التي أخطأت تقديرها.

‎ولأنني لستُ أكتب لكي أستجدي رأيًا عامًا يصطف بجانب المرأة، ولأنني لا أنتمي لتلك الحركة أو ذاك الحزب ولأن أساس التحزّب هو تعميق الفجوات بيننا وبين بعضنا، فإنني أكتب لكي أرصد واقعًا يُقرّب وجهات النظر.. واقعًا بحتًا فرض نفسه علينا قبل أن تتسنى لنا الفرصة لكي نختار.

‎الواقع تعيس حينما يحياه المنهزمون، ولكن هذا الواقع الذي يحمل في جنباته آثار من ماضٍ مجحف بعض الشيء، قد عاشته نساء استثنائية، نساء منهنّ من حوتهنّ كتب التاريخ، ومنهنّ من نسيتهنّ الوثائق، ومنهنّ من يحيينّ في ذاكرة كل واحد منّا، تتناقلهنّ أجيال العائلة الواحدة ويحيينّ فوق أعمارهن عقودًا على ألسنة أولادهنّ، تلاميذهنّ، وكل من عاصرهنّ. من خلالهنّ، عرفتُ كيف يخلق عتيّ الحوادث النساء.

‎كلنا، كبني آدم، علينا أن نختار دومًا، ولكن معظم تلك الاختيارات تتعلق بمحدودية المتاح ووفرة الموارد، لا بكون الشخص رجلًا أو امرأة. ولكنني وإياهنّ لو أننا اختلفنا فيما نواجه كل يوم، فإننا نتفق جميعًا على حاجتنا الدائمة للمفاضلة بين سيئين، أو أدهى.. للمفاضلة بين عزيزين. عندما استعرتُ مؤخرًا أعينهنّ، وجدت الاختيارات أكثر ولكن كانت قابلية اتّخاذ القرارات أصعب والأثمان المدفوعة دومًا أبهظ وأغلى.

‎إليكن، كل من عرفتهنّ ومن لم أعرف، لتعلمنّ أنه إذا كان على الإنسان أن يقوم بعدة اختيارات مُهمّة في حياته، فإنه يضطر لهذا بضعة مرّات في العمر، وأنتنّ تقمن بتلك الاختيارات المضنية كل يوم، وتُقررنّ لأنفسكنّ الحياة التي تردنها كل يوم، بين نعم ولا، بين مقبول ومرفوض، بين يمكن ويستحيل، بين أنا وهُمْ، بين نفسي والآخرين، بين هذا وذاك، مهما كان هذا مُرّا وذاك حلوًا. لتعلمنّ أنه دومًا الاختيار الصعب خياريه صواب. إليكنّ من أعرف وإليهنّ من لا أعرف، وإليكِ أمي، أوّل من رأيتها تختار عندما كنّا نحن إحدى تلك الاختيارات الصعبة، شُكرًا على كل لحظة كنتِ ولازلتِ فيها تتخذين-عن طيب خاطر- قرارًا نجعله ويجعله الآخرون أصعب كل يوم.

‎لذا لن أتمنى لكنّ يومًا تكنّ فيه صامدات قويّات، إنما أرجو لكنّ يومًا بلا قرارت ولا مفاضلات ولا اختيارات، فقط يوم تتنفسن فيه الصعداء وتعلمنّ فيه أن هذا الطريق الذي اخترتنّه هو ذاك الطريق الصحيح.