FeaturedHome PageNewsSpotlight

نهاية أوشكت على البدء

كتبت‭: ‬نوران‭ ‬العشري‭ ‬

مديرة‭ ‬تحرير‭ ‬قسم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية

هو‭ ‬الإحساس‭ ‬ذاته‭. ‬نفس‭ ‬الشعور‭ ‬الغريب‭ ‬أن‭ ‬نهاية‭ ‬أمر‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬الاقتراب‭. ‬أحسسته‭ ‬يومًا‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬صفي‭ ‬الأخير‭ ‬بالمدرسة‭ ‬وأشعر‭ ‬به‭ ‬الآن‭ ‬مجددًا‭. ‬شعور‭ ‬ممزوج‭ ‬بالرهبة،‭ ‬التفاؤل‭ ‬والفضول‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد‭.‬

أتذكر‭ ‬تلك‭ ‬الفتاة‭ ‬الضائعة‭ ‬في‭ ‬الحرم‭ ‬الجامعي‭ ‬في‭ ‬يومها‭ ‬الأول‭ ‬به،‭ ‬منبهرة‭ ‬بعدد‭ ‬الطلاب‭ ‬حولها‭ ‬مقارنة‭ ‬بالذين‭ ‬تركتهم‭ ‬في‭ ‬مدرستها‭ ‬وأنظر‭ ‬إلى‭ ‬نفسي‭ ‬الآن،‭ ‬متعارفة‭ ‬ومندمجة‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬ركن‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحرم‭ ‬معتبرته‭ ‬منطقة‭ ‬أمان‭ ‬لي‭ ‬أخشى‭ ‬الخروج‭ ‬منها‭. ‬

أكتب‭ ‬للمرة‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الصفحة‭ ‬كطالبة‭ ‬جامعية‭ ‬ولذلك‭ ‬نويت‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬رحلتي‭ ‬الجامعية‭ ‬خلال‭ ‬الأربع‭ ‬سنوات‭ ‬الماضية‭ ‬هي‭ ‬محور‭ ‬أخر‭ ‬مقال‭ ‬لي‭ ‬رغم‭ ‬صعوبة‭ ‬وربما‭ ‬استحالة‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭. ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬لشخص‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬الكتابة‭ ‬والسرد‭ ‬أن‭ ‬يلخص‭ ‬أحداث‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬بضعة‭ ‬سطور؟‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬أمرًا‭ ‬مستحيلًا‭ ‬وأعترف‭ ‬بعجزي‭ ‬عن‭ ‬فعل‭ ‬ذلك‭ ‬وإعطاءه‭ ‬حقه‭ ‬من‭ ‬الكلمات‭ ‬ولكني‭ ‬سأحاول‭.‬

عندما‭ ‬خطوت‭ ‬أول‭ ‬خطوة‭ ‬داخل‭ ‬الحرم‭ ‬الجامعي،‭ ‬كنت‭ ‬فتاة‭ ‬بقدرات‭ ‬وطموحات‭ ‬عادية،‭ ‬تائهة‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭. ‬غير‭ ‬يقينة‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬التخصص‭ ‬الذي‭ ‬أريد‭ ‬دراسته‭. ‬‮«‬سأدرس‭ ‬الصحافة‭ ‬لأني‭ ‬أحب‭ ‬الكتابة‭..‬لكن‭ ‬مجال‭ ‬الإعلام‭ ‬صعب‭ ‬في‭ ‬زماننا‮»‬‭ ‬،‭ ‬‮«‬سأدرس‭ ‬علوم‭ ‬الحاسبات‭ ‬لأضمن‭ ‬مجال‭ ‬عمل‭ ‬مربح‭..‬لكنني‭ ‬لا‭ ‬أحبه‮»‬‭ ‬،‭ ‬‮«‬سأدرس‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬وأساعد‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يمر‭ ‬بأزمة‭ ‬ما‭..‬لكن‭ ‬مجتمعنا‭ ‬لا‭ ‬يؤمن‭ ‬بالأزمات‭ ‬النفسية‭ ‬كما‭ ‬ينبغي‭.‬‮»‬‭ ‬

حيرة‭ ‬ظلت‭ ‬شهورًا‭ ‬حتى‭ ‬استقريت‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬الصحافة‭ ‬مجالًا‭ ‬لأربع‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الدراسة‭ ‬ومجالًا‭ ‬للعمل‭ ‬لحياة‭ ‬مجهول‭ ‬عمرها‭. ‬

لم‭ ‬تبلغ‭ ‬ثقتي‭ ‬بنفسي‭ ‬أقصاها‭ ‬حين‭ ‬انضممت‭ ‬للجامعة‭ ‬ولم‭ ‬أكن‭ ‬أعلم‭ ‬أن‭ ‬بإمكاني‭ ‬أن‭ ‬أصل‭ ‬إلى‭ ‬أحلام‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭. ‬لكن‭ ‬بدأت‭ ‬تلك‭ ‬الأحلام‭ ‬في‭ ‬التحقق‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬قصيرة‭. ‬

أتذكر‭ ‬أن‭ ‬أول‭ ‬مقال‭ ‬نُشر‭ ‬لي‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬تابعة‭ ‬للجامعة،‭ ‬وأول‭ ‬مشروع‭ ‬فوتوغرافي‭ ‬لي‭ ‬كان‭ ‬تابعًا‭ ‬لصف‭ ‬التصوير‭ ‬بالجامعة‭. ‬أذكر‭ ‬أيضًا‭ ‬أنني‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬تنسيق‭ ‬أول‭ ‬حفلة‭ ‬موسيقية‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬كما‭ ‬أنني‭ ‬قبضت‭ ‬أول‭ ‬راتب‭ ‬لي‭ ‬من‭ ‬عملي‭ ‬بالجامعة‭. ‬تعلمت‭ ‬الكثير‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬وتوسعت‭ ‬آفاقي‭ ‬بسبب‭ ‬وجودي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع،‭ ‬تعرفت‭ ‬على‭ ‬أصدقاء‭ ‬كثيرين‭ ‬وأحببت‭ ‬وبكيت‭ ‬وتعالت‭ ‬ضحكاتي‭ ‬تحت‭ ‬أسقف‭ ‬مباني‭ ‬هذه‭ ‬الجامعة‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬كله،‭ ‬أعجز‭ ‬عن‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬اللحظات‭ ‬كلما‭ ‬حاولت‭ ‬استرجاع‭ ‬شريط‭ ‬أحداثهم‭.‬

على‭ ‬قدر‭ ‬شكري‭ ‬وعرفاني‭ ‬لتلك‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬ساهمت‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬أملكها‭ ‬الآن‭ ‬ومع‭ ‬اقتراب‭ ‬نهايتها،‭ ‬تزيد‭ ‬خفقات‭ ‬قلبي‭ ‬خوفًا‭ ‬من‭ ‬المقبل،‭ ‬فكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مجهول‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬وغير‭ ‬متوقع‭..‬مخيف‭. ‬فأنا‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬المُحبة‭ ‬لوجود‭ ‬خطة‭ ‬واضحة‭ ‬الملامح‭ ‬لكل‭ ‬أمر‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬وكلما‭ ‬كانت‭ ‬الخطة‭ ‬مبهمة،‭ ‬زاد‭ ‬قلقي‭. ‬وها‭ ‬أنا،‭ ‬بلا‭ ‬خطة‭ ‬واضحة‭ ‬وصلبة‭ ‬لحياة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬الحرم‭ ‬الجامعي،‭ ‬لا‭ ‬أدري‭ ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬سأعمل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬دراستي‭ ‬أم‭ ‬تجبرني‭ ‬الأقدار‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬مسار‭ ‬آخر‭. ‬لا‭ ‬أدري‭ ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬سألتحق‭ ‬بالجامعة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬ومتابعة‭ ‬دراستي‭ ‬العليا‭ ‬وإن‭ ‬فعلت‭ ‬متى‭ ‬وأين‭ ‬سيكون‭ ‬هذا،‭ ‬أم‭ ‬سأستطيع‭ ‬أن‭ ‬أحقق‭ ‬حلم‭ ‬السفر‭ ‬والعمل‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬مختلفة؟

كلها‭ ‬احتمالات‭ ‬وجميعها‭ ‬وارد،‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬احتمالات‭ ‬أخرى‭ ‬غائبة‭ ‬عني‭ ‬الآن‭ ‬وسيكشف‭ ‬الوقت‭ ‬عنها‭ ‬يومًا،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬أدركه‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬حياة‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬الاقتراب‭ ‬وحياة‭ ‬حالية‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬الانتهاء‭.‬