Opinionالقافلة

مواقع التنافر الاجتماعي

كتبت‭: ‬إيمان‭ ‬خروشة

نائبة‭ ‬مديرة‭ ‬تحرير‭ ‬قسم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية

عَلِمتُ‭ ‬مِن‭ ‬فترة‭ ‬ليست‭ ‬قصيرة‭ ‬أن‭ ‬عددنا‭ ‬الخاص‭ ‬سوف‭ ‬يكون‭ ‬عن‭ ‬الشباب؛‭ ‬داهمتني‭ ‬الحيرة‭  ‬المختلطة‭ ‬بالحماس‭ ‬حينما‭ ‬حاولت‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬الذي‭ ‬سأناقشه‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬الرأي،‭ ‬طلبت‭ ‬العون‭ ‬مِن‭ ‬أقرب‭ ‬المُقربين‭ ‬إليّ،‭ ‬وتوصلت‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬عنه‭.‬

أصبحت‭ ‬مواقع‭ ‬‮«‬التواصل‮»‬‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬متناول‭ ‬المجتمع‭ ‬المصري‭ ‬بأكمله،‭ ‬بكل‭ ‬الفئات‭ ‬العمرية‭ ‬المختلفة‭ ‬و‭ ‬الطبقات‭ ‬الاقتصادية‭. ‬لا‭ ‬أود‭ ‬التحدث‭ ‬عن‭ ‬سلبيات‭ ‬وإيجابيات‭ ‬الإنترنت‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬أود‭ ‬التحقق‭ ‬منه‭ ‬هو‭ ‬الضرر‭ ‬الواقع‭ ‬علينا‭ ‬وعلى‭ ‬علاقاتنا‭ ‬اليومية‭ ‬بسبب‭ ‬مواقع‭ ‬‮«‬التواصل‮»‬‭ ‬الاجتماعي‭.‬

يأتي‭ ‬علينا‭ ‬كلنا‭ ‬بالطبع،‭  ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬نُقابَل‭ ‬فيه‭ ‬بالتوبيخ‭ ‬مِن‭ ‬آبائنا‭ ‬أو‭ ‬مِن‭ ‬مَن‭ ‬هُم‭ ‬أكبر‭ ‬سنًا،‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬تركنا‭  ‬ل‭ ‬‮«‬الموبايل‮»‬‭ ‬مِن‭ ‬أيدينا‭ ‬لحظة،‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬الضرورة‭ ‬القصوى،‭ ‬أو‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليّ،‭ ‬قد‭ ‬أفعل‭ ‬ذلك‭ ‬عندما‭ ‬أشعر‭ ‬بالاستمتاع‭ ‬مع‭ ‬مَن‭ ‬هم‭ ‬حولي‭ ‬وبجانبي،‭ ‬كأفراد‭ ‬عائلتي‭ ‬أو‭ ‬أقرب‭ ‬أصدقائي،‭ ‬تكاد‭ ‬سعادتي‭ ‬معهم‭ ‬تُنسيني‭ ‬أخذ‭ ‬الصور‭ ‬مِن‭ ‬أجل‭ ‬‮«‬الانستجرام‭ ‬ستوري‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬سناب‭ ‬شات‮»‬‭. ‬لا‭ ‬أعلمُ‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الإدمان‭ ‬أم‭ ‬إنه‭ ‬عادة‭ ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬التخلي‭ ‬عنها‭ ‬لأنها‭ ‬ببساطة‭ ‬أصبحت‭ ‬جزءًا‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬روتيننا‭ ‬اليومي،‭ ‬ولكني‭ ‬لا‭ ‬ألقي‭ ‬اللوم‭ ‬على‭ ‬أيّ‭ ‬مِنا،‭ ‬لأنني‭ ‬شخصيًا‭ ‬أعترف‭ ‬أني‭ ‬أتوتر‭ ‬حينما‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬هاتفي‭ ‬جواري،‭ ‬وأمتعض‭ ‬بشدة‭ ‬حينما‭ ‬تنفذ‭ ‬باقة‭ ‬الإنترنت،‭ ‬وقد‭ ‬تمر‭ ‬عليّ‭ ‬الساعات‭ ‬على‭ ‬‮«‬الواتساب‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الفيسبوك‮»‬‭.‬

ولكن‭ ‬الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬هو‭ ‬التأثير‭ ‬السلبي‭ ‬الواقع‭ ‬على‭ ‬حياتنا‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بسبب‭ ‬تعلقنا‭ ‬ب‭ ‬‮«‬السوشيال‭ ‬ميديا‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تنافرنا‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬حولنا،‭ ‬الذي‭ ‬مِن‭ ‬المُفترض‭ ‬أن‭ ‬يقربنا‭ ‬إلى‭ ‬مَن‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬رؤيتهم‭ ‬ويساعدنا‭ ‬على‭ ‬التواصل‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل‭.‬

أثناء‭ ‬حديثي‭ ‬عن‭ ‬مقال‭ ‬الرأي‭ ‬مع‭ ‬نوران‭ ‬العشري،‭ ‬مديرة‭ ‬تحرير‭ ‬قسم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬قالت‭ ‬لي‭ ‬ضاحكة‭ ‬أن‭ ‬والدها‭ ‬ألقى‭ ‬عليها‭ ‬جملة‭ ‬تحليلية‭ ‬معلقًا‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬‮«‬التواصل‮»‬‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬بدل‭ ‬مِن‭ ‬أن‭ ‬تُقرب‭ ‬‮«‬السوشيال‭ ‬ميديا‮»‬‭ ‬البعيد،‭ ‬قامت‭ ‬بإبعاد‭ ‬القريب‮»‬‭. ‬حينما‭ ‬نسمع‭ ‬تلك‭ ‬الجملة،‭ ‬فد‭ ‬نشعر‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬كليشيه‮»‬‭  ‬ولكن‭ ‬حينما‭ ‬تأملتها‭ ‬أثناء‭ ‬طريقي‭ ‬الطويل‭ ‬إلى‭ ‬المنزل،‭ ‬تيقنت‭ ‬مِن‭ ‬أنها‭ ‬تحلل‭ ‬وتفسر‭ ‬الدائرة‭ ‬المُفرغة‭ ‬التي‭ ‬ألقينا‭ ‬أنفسنا‭ ‬بها‭ ‬رغمًا‭ ‬عنّا‭.‬

وهي‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬مُلخَصة‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬نراه‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬‮«‬كافيه‮»‬‭ ‬أو‭ ‬مكان‭ ‬عام،‭ ‬وهو‭ ‬وجود‭ ‬بعض‭ ‬الشباب‭  ‬أو‭ ‬الفتيات‭ ‬الجالسين‭ ‬مع‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭ ‬ولكنهم‭ ‬لا‭ ‬يتحدثون‭ ‬قط،‭ ‬لا‭ ‬يفعلون‭ ‬شيئًا‭ ‬سوى‭ ‬استخدام‭ ‬هواتفهم‭ ‬وأخذ‭ ‬سيلفي‭ ‬أو‭ ‬صورة‭ ‬للطعام،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬التساؤل‭: ‬لِما‭ ‬تجلسون‭ ‬سويًا‭ ‬إن‭ ‬كنتم‭ ‬ستفعلون‭ ‬نفس‭ ‬الشيء‭ ‬إن‭ ‬جلس‭ ‬كل‭ ‬منكم‭ ‬في‭ ‬منزله؟

لا‭ ‬أستطيع‭ ‬الجزم‭ ‬بأن‭ ‬تأثير‭ ‬‮«‬السوشيال‭ ‬ميديا‮»‬‭ ‬على‭ ‬الشباب‭  ‬تأثيرًا‭ ‬سلبيًا‭ ‬فقط،‭ ‬بالطبع‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬مِن‭ ‬الإيجابيات،‭ ‬ولكن‭ ‬أتيقن‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬كلنا‭ ‬على‭ ‬دراية‭ ‬كاملة‭ ‬بها‭.. ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يغيب‭ ‬عن‭ ‬بالنا،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬حياتنا‭ ‬الاجتماعية‭ ‬معرضة‭ ‬للخطر،‭ ‬وب‭ ‬‮«‬خطر‮»‬،‭ ‬لا‭ ‬أعطي‭ ‬الأمر‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬حجمه‭.‬

الخطر‭ ‬واقع‭ ‬على‭ ‬علاقاتنا‭ ‬مع‭ ‬أهلنا‭ ‬وأصدقائنا‭ ‬التي‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الدفء،‭ ‬المزيد‭ ‬مِن‭ ‬الضحكات‭ ‬الصاخبة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬‮«‬إيموجي،‭ ‬والكثير‭ ‬مِن‭ ‬الأحاديث‭ ‬الطويلة‭ ‬الخالية‭ ‬مِن‭ ‬خداع‭ ‬‮«‬السوشيال‭ ‬ميديا‮»‬‭.‬

ومِن‭ ‬هُنا،‭ ‬أشك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‮»‬‭ ‬هو‭ ‬التعبير‭ ‬الصحيح‭ ‬بالرغم‭ ‬مِن‭ ‬أية‭ ‬مميزات‭ ‬قابعة‭ ‬بها،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬التعبير‭ ‬الأمثل‭ ‬هو‭ ‬‮«‬مواقع‭ ‬التنافر‭ ‬الاجتماعي‮»‬‭.‬