Opinion

إهداء إلى فخري وسعادتي الحقيقة ..كريم

كتبت‭:  ‬آية‭  ‬أبو‭ ‬شادي

محررة

عندما‭ ‬أُصدَر‭ ‬قرار‭ ‬الموضوع‭ ‬الأساسي‭ ‬للعدد‭ ‬الخاص‭ ‬من‭ ‬القافلة‭ ‬لهذا‭ ‬الفصل‭ ‬الدراسي‭  ‬وعلمت‭ ‬أنه‭ ‬سيكون‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬السعادة‮»‬،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬راودتني‭ ‬بعض‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬تخطر‭ ‬ببالي‭ ‬كثيرًا‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة‭ ‬ومن‭ ‬ضمنها‭: ‬‮«‬السعادة؟‭ ‬ولكن‭  ‬ما‭ ‬هي‭ ‬السعادة‭ ‬في‭ ‬الأساس؟‭ ‬هل‭ ‬بالفعل‭ ‬لها‭ ‬معنى‭ ‬حقيقي‭ ‬يميزها‭ ‬عن‭ ‬باقي‭ ‬الأشياء‭ ‬الغير‭ ‬ملموسة‭ ‬في‭ ‬حياتنا؟‭ ‬هل‭ ‬سبق‭ ‬ووجد‭ ‬أحدهم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬سعادة‭ ‬حقيقية‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يجزم‭ ‬بها‭ ‬أنه‭ ‬وصل‭ ‬للمعنى‭ ‬الحقيقي‭ ‬للسعادة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا؟‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬بالنسبة‭ ‬له‭ ‬فقط؟‮»‬‭ ‬

والسبب‭ ‬الأساسي‭ ‬وراء‭ ‬احتلال‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬لعقلي‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬يومًا‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬يؤمن‭ ‬بوجود‭ ‬معنى‭ ‬واضح‭ ‬وحتميّ‭ ‬للأشياء‭ ‬الغير‭ ‬ملموسة‭. ‬فالسعادة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬قد‭ ‬توجد‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬شيء؛‭ ‬في‭ ‬الأكل،‭ ‬في‭ ‬اللعب،‭ ‬في‭ ‬النجاح،‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الدراسة،‭ ‬في‭ ‬الهوايات،‭ ‬في‭ ‬الرياضة،‭ ‬في‭ ‬الأفلام،‭ ‬في‭ ‬الموسيقى‭…‬وأشياء‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬يتوقف‭ ‬على‭ ‬نظرة‭ ‬الإنسان‭ ‬نفسه‭ ‬للحياة‭.‬

‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬يظل‭ ‬المعنى‭ ‬الذي‭ ‬يتوصل‭ ‬له‭ ‬الإنسان‭ ‬نظرًا‭ ‬لتجاربه‭ ‬ورؤيته‭ ‬غير‭ ‬حتمي‭ ‬وغير‭ ‬مُطلق‭. ‬ولهذه‭ ‬الأسباب،‭ ‬لم‭ ‬أؤمن‭ ‬أبداً‭ ‬بقدرة‭ ‬التوصل‭ ‬للمعنى‭ ‬الحقيقي‭ ‬و‭ ‬المقصود‭ ‬من‭ ‬مفهوم‭ ‬السعادة‭.‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فأنا‭ ‬مثلاً،‭ ‬بالطبع‭ ‬وجدت‭ ‬السعادة‭ ‬المؤقتة‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬وتغيب‭ ‬مرارًا‭ ‬وتكرارًا‭ ‬في‭ ‬أشياءً‭ ‬متفارقة‭ – ‬أحيانًا‭ ‬في‭ ‬الأصدقاء،‭ ‬أحيانًا‭ ‬في‭ ‬السفر‭ ‬والروايات‭ ‬والهوايات‭ ‬وأحيانًا‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬النجاح‭ ‬والعمل‭. ‬

ولكن‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬أبدًا‭ ‬شيء‭ ‬ملموس‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أُطلق‭ ‬عليه‭ ‬المعنى‭ ‬الحتمي‭ ‬للسعادة‭ ‬المطلقة‭ ‬في‭ ‬حياتي،‭ ‬ولو‭ ‬لفترة‭ ‬وجيزة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭.  ‬ولكن‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬أتعرفون‭ ‬مانسيته‭ ‬في‭ ‬تفكيري‭ ‬في‭ ‬معنى‭ ‬السعادة‭ ‬المطلقة‭ ‬والمعنى‭ ‬الحتمي‭ ‬العام‭ ‬لها؟‭ ‬نسيت‭ ‬أن‭ ‬أسأل‭ ‬نفسي‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬تستطيع‭ ‬السعادة‭ ‬أن‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬شخص‭ ‬وشخص‭ ‬واحد‭ ‬فقط‭. ‬نسيت‭ ‬أن‭ ‬أسأل‭ ‬نفسي‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المحتمل‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬السعادة‭ ‬كون‭ ‬شخص‭ ‬تحبه‭ ‬بخير‭ ‬أو‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تأتي‭ ‬سعادتك‭ ‬المطلقة‭ ‬من‭ ‬سعادته‭ ‬لأي‭ ‬شيء‭ ‬أو‭ ‬نجاحه‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬شيء،‭ ‬أو‭ ‬وصوله‭ ‬وحبه‭ ‬لأي‭ ‬شيء‭.  ‬وبالفعل‭ ‬عندما‭ ‬سألت‭ ‬نفسي‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة،‭ ‬توصلت‭ ‬للإجابة‭ ‬المطلقة‭ ‬التي‭ ‬ظللت‭ ‬أبحث‭ ‬عنها‭ ‬وهي‭ ‬‮«‬كريم‮»‬‭.  ‬كريم‭ ‬هو‭ ‬أخي‭ ‬الأصغر‭ ‬الذي‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬لا‭ ‬أعتبره‭ ‬أخي،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬ابني‭. ‬صحيح‭ ‬أنني‭ ‬أكبره‭ ‬بعامين‭ ‬فقط‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬ينفي‭ ‬شعوري‭ ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬الأمومة‭ ‬تجاهه‭. ‬

إذا‭ ‬قرأ‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬معارفي‭ ‬أو‭ ‬أصدقائي‭ ‬هذه‭ ‬الجملة،‭ ‬فإنه‭ ‬حتمًا‭ ‬سوف‭ ‬يضحك‭ ‬لأن‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬نتعامل‭ ‬بها‭ ‬مع‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض‭ ‬دائمًا‭ ‬ما‭ ‬تظهر‭ ‬طفولتي‭ ‬مقارنةً‭ ‬به‭ ‬وإنه‭ – ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الصور‭ – ‬يظهر‭ ‬وكأنه‭ ‬الأخ‭ ‬الأكبر‭ ‬المسؤول‭ ‬وليس‭ ‬العكس،‭ ‬فكيف‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أجزم‭ ‬أنه‭ ‬إبني؟‭  ‬الإجابة‭ ‬هنا‭ ‬بسيطة،‭ ‬فكريم‭ ‬هو‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬قضيت‭ ‬أمتع‭ ‬وأطول‭ ‬فترات‭ ‬حياتي‭ ‬معه،‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬لطفولتي‭ ‬معنى‭ ‬وذكريات‭ ‬جميلة،‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬لفظ‭ ‬إسمي‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينطق‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬ماما‮»‬،‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬عندما‭ ‬تُسَد‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬وجهي‭ ‬أجده‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬أن‭ ‬يترك‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬حتى‭ ‬يتأكد‭ ‬أنني‭ ‬بخير‭.  ‬هو‭ ‬الشخص‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أكتم‭ ‬ضحكاتي‭ ‬على‭ ‬نكاته‭ ‬السخيفة‭ ‬حتى‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬أسوأ‭ ‬حالاتي،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬أتشاجر‭ ‬معه‭ ‬باستمرار،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كوني‭ ‬مخطئة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬يتناسى‭ ‬سخافتي‭ ‬وكأنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لأن‭ ‬معزتي‭ ‬في‭ ‬قلبه‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬مثيل‭.  ‬في‭ ‬عيد‭ ‬مولده‭ ‬الواحد‭ ‬والعشرين،‭ ‬لم‭ ‬أستطع‭ ‬أن‭ ‬أُفكر‭ ‬في‭ ‬هدية‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬له‭ ‬أنني‭ ‬بالفعل‭ ‬تأكدت‭ ‬أن‭ ‬هو‭ ‬معنى‭ ‬سعادتي‭ ‬الحقيقية‮…‬‭.‬ولأنني‭ ‬لا‭ ‬أذكر‭ ‬ولا‭ ‬أعبرعن‭ ‬مدى‭ ‬تقديري‭ ‬له‭ ‬بشكل‭ ‬كافي‭ – ‬أو‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ – ‬فأنا‭ ‬متأكدة‭ ‬أنه‭ ‬سيُذهَل‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يقرأ‭ ‬كلماتي‮…‬‭.‬كل‭ ‬عام‭ ‬وأنت‭ ‬بخير‮…‬‭.‬