FeaturedGender and Womenالقافلة

فاطمة الرزاز: نموذج الاستحقاق القانوني للمرأة المصرية

تقرير‭:‬آيه‭ ‬رضا‭ ‬الجوهري‭ ‬وبسنت‭ ‬شحاتة

‮«‬عالمطبخ‮»‬‭ ‬عبارة‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬تُلقى‭ ‬على‭ ‬مسامعنا‭ ‬كسيدات‭ ‬حينما‭ ‬نقترب‭ ‬من‭ ‬أيٍ‭ ‬من‭ ‬المحظورات‭ ‬التي‭ ‬وضعها‭ ‬المجتمع‭ ‬علينا‭ ‬وبدون‭ ‬أدنى‭ ‬مبررات‭. ‬أولهم‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬خوض‭ ‬نقاش‭ ‬أمام‭ ‬رجل،‭ ‬والتي‭ ‬أحيانًا‭ ‬يكون‭ ‬مخرجها‭ ‬الوحيد‭ ‬هو‭ ‬استخدام‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬عالمطبخ‮»‬‭. ‬

من‭ ‬ضمن‭ ‬تلك‭ ‬المحظورات‭ ‬التي‭ ‬يعتبرها‭ ‬المجتمع‭ ‬حكرًا‭ ‬على‭ ‬الرجل‭ ‬هي‭ ‬القضاء‭. ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬النقاش‭ ‬القائم‭ ‬حول‭ ‬مشروعية‭ ‬تولي‭ ‬السيدات‭ ‬للمناصب‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬فإن‭ ‬تجارب‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬في‭ ‬تولي‭ ‬السيدات‭ ‬للمناصب‭ ‬العليا‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬نجاحات‭ ‬عدة‭. ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬فجاسيندا‭ ‬أرديرن—رئيسة‭ ‬وزراء‭ ‬نيوزيلندا—قاضت‭ ‬بلدها‭ ‬نحو‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬بنجاح،‭ ‬فنيوزيلندا‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬للتحكم‭ ‬في‭ ‬مستويات‭ ‬نقل‭ ‬الفيروس‭ ‬عالميًا‭.‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬التحديات‭ ‬المجتمعية،‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬‮٢٠٠٣‬‭ ‬أصبحت‭ ‬الدكتورة‭ ‬تهاني‭ ‬الجبالي‭ ‬أول‭ ‬سيدة‭ ‬تتقلد‭ ‬منصب‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬المحكمة‭ ‬الدستورية‭ ‬العليا‭. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬‮٢٠٢٠‬،‭ ‬وبعد‭ ‬‮١٣‬‭ ‬عام،‭ ‬من‭ ‬تولي‭ ‬الجبالي‭ ‬المنصب،‭ ‬وبقرار‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭  ‬عام‭ ‬‮٢٠١٢‬،‭ ‬تم‭ ‬تعيين‭ ‬فاطمة‭ ‬الرزاز—أستاذ‭ ‬ورئيس‭ ‬قسم‭ ‬التشريعات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وعميد‭ ‬كلية‭ ‬حقوق‭ ‬جامعة‭ ‬حلوان‭ ‬سابقًا—كنائب‭ ‬رئيس‭ ‬المحكمة‭ ‬الدستورية‭ ‬العُليا‭ ‬لتكون‭ ‬ثاني‭ ‬سيدة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬الحديث‭ ‬تتقلد‭ ‬هذا‭ ‬المنصب‭. ‬وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬كانت‭ ‬أول‭ ‬امرأة‭ ‬تشغل‭ ‬عمادة‭ ‬كلية‭ ‬الحقوق‭ ‬بالجامعة‭.‬

أجرت‭ ‬القافلة‭ ‬لقاءً‭ ‬مع‭ ‬الرزاز‭ ‬لكي‭ ‬نطّلعكم‭ ‬على‭ ‬مشوار‭ ‬حياتها‭ ‬كإنسانة‭ ‬قبل‭ ‬كونها‭ ‬إحدى‭ ‬أهم‭ ‬نماذج‭ ‬الاستحقاق‭ ‬الدستوري‭ ‬للمرأة‭ ‬في‭ ‬مصر‭.‬

أخبرتنا‭ ‬الرزاز‭ ‬أن‭ ‬حياتها‭ ‬المهنية‭ ‬بدأت‭ ‬بحصولها‭ ‬على‭ ‬مجموع‭ ‬يؤهلها‭ ‬لدخول‭ ‬إحدى‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بكليات‭ ‬القمة،‭ ‬ولكنها‭ ‬اختارت‭ ‬دخول‭ ‬كلية‭ ‬الحقوق‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحلم‭ ‬بها‭ ‬دومًا‭. ‬كانت‭ ‬الرزاز‭ ‬من‭ ‬الأوائل‭ ‬بدفعتها‭ ‬بجامعة‭ ‬حلوان‭ ‬حتى‭ ‬تخرجت‭ ‬عام‭ ‬‮١٩٨٨‬‭. ‬بدأت‭ ‬رحلتها‭ ‬الوظيفية‭ ‬بالجهاز‭ ‬المركزي‭ ‬للمحاسبات‭. ‬حينما‭ ‬فتحت‭ ‬كلية‭ ‬الحقوق‭ ‬بجامعة‭ ‬حلوان‭ ‬باب‭ ‬التعيين‭ ‬في‭ ‬‮١٩٩٥‬‭ ‬تقدمت‭ ‬الرزاز‭ ‬وصعدت‭ ‬جميع‭ ‬الدرجات‭ ‬الأكاديمية‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬قياسي‭ ‬حتى‭ ‬تقلدت‭ ‬عمادة‭ ‬كلية‭ ‬الحقوق‭. ‬

كان‭ ‬لدى‭ ‬رئيس‭ ‬المحكمة‭ ‬الدستورية‭ ‬العليا‭  ‬بولس‭ ‬فهمي،‭ ‬رؤية‭ ‬مختلفة‭ ‬لتعيين‭ ‬نائب‭ ‬للمحكمة‭ ‬ذو‭ ‬خلفية‭ ‬أكاديمية‭ ‬ورؤية‭ ‬جديدة‭ ‬فوقع‭ ‬الاختيار‭ ‬على‭ ‬الرزاز‭ ‬كونها‭ ‬أستاذة‭ ‬قانون‭ ‬بقسم‭ ‬التشريعات‭ ‬الاجتماعية؛‭ ‬ولذلك‭ ‬تتميز‭ ‬الرزاز‭ ‬بكونها‭ ‬أكاديمية‭ ‬تتولى‭ ‬منصب‭ ‬دستوري‭.‬

كمعظم‭ ‬السيدات‭ ‬اللاتي‭ ‬نجحن‭ ‬في‭ ‬تقلد‭ ‬مناصب‭ ‬كان‭ ‬يهيمن‭ ‬عليها‭ ‬الرجال‭ ‬في‭ ‬الأغلب،‭ ‬واجهت‭ ‬الرزاز‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬خلال‭ ‬رحلتها‭. ‬ترى‭ ‬الرزاز‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬يصعب‭ ‬الموازنة‭ ‬بين‭ ‬مسئولية‭ ‬الزوجة‭ ‬والأم‭ ‬والحياة‭ ‬العملية،‭ ‬وهو‭ ‬شيء‭ ‬مُعرقل‭ ‬بالطبع،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬المرأة‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬والاستخفاف‭ ‬بها‭ ‬بعبارات‭ ‬مثل‭ (‬أنتِ‭ ‬مش‭ ‬هتقدري‭ ‬تعملي‭ ‬كذا‭ ‬روحي‭ ‬عندك‭ ‬صينية‭ ‬بطاطس‭ ‬روحي‭ ‬اعمليها‭) ‬وتتغلب‭ ‬النساء‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬بإثبات‭ ‬وجودها‭ ‬وقوتها‭ ‬العلمية‭ ‬وفرض‭ ‬شخصيتها‮»‬‭. ‬

لاحظنا‭ ‬من‭ ‬لقائنا‭ ‬مع‭ ‬الرزاز—التي‭ ‬استقبلتنا‭ ‬في‭ ‬منزلها‭ ‬بكم‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬الترحيب—قوة‭ ‬علاقتها‭ ‬مع‭ ‬ابنها‭ ‬وابنتيها‭ ‬وحرصها‭ ‬على‭ ‬مستقبلهم‭. ‬وعكس‭ ‬الصورة‭ ‬السائدة–التي‭ ‬دائمًا‭ ‬ما‭ ‬تجبرنا‭ ‬على‭ ‬تأكيد‭ ‬نجاح‭ ‬أي‭ ‬سيدة‭ ‬مميزة‭ ‬كأم–‭ ‬الرزاز‭ ‬محظوظة‭ ‬بزوجها‭ ‬أحمد‭ ‬عامر‭ ‬–الطبيب‭ ‬البشري–والذي‭ ‬يتقاسم‭ ‬معها‭ ‬المهام‭ ‬والهموم‭. ‬ولذلك‭ ‬فأمومتها‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬توليها‭ ‬الكامل‭ ‬لمسئولية‭ ‬البيت‭. ‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تأكيد‭ ‬الرزاز‭ ‬مرارًا‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬الدعم‭ ‬العائلي‭ ‬لحياتها‭ ‬العملية،‭ ‬إلا‭ ‬إنه‭ ‬وجب‭ ‬التنويه‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الناجحات‭ ‬لم‭ ‬يحظين‭ ‬بالدعم‭ ‬العائلي‭ ‬أو‭ ‬الزوجي‭ ‬والامتيازات‭ ‬التي‭ ‬تأهلها‭ ‬لمناصب‭ ‬مرموقة،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬مجتمعنا‭ .‬مليء‭ ‬بنماذج‭ ‬كثيرة‭ ‬تستحق‭ ‬الذكر‭ ‬والتقدير‭. ‬ومن‭ ‬الضروري‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬عوامل‭ ‬النجاح‭ ‬لا‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬منصب‭ ‬بذاته‭ ‬أو‭ ‬وظيفة‭ ‬بعينها،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬المحاولة‭ ‬وحدها‭ ‬تكفي‭.‬