Gender and WomenOpinionالقافلة

«أن تفني كيانك في كياني»

كتبت‭: ‬آيه‭ ‬رضا‭ ‬الجوهري

كبير‭ ‬محرري‭ ‬قسم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية

أما‭ ‬بعد،

إلى‭ ‬ملجأي‭ ‬وأماني،‭ ‬لا‭ ‬أُخفي‭ ‬عنكِ‭ ‬سرًا‭ ‬يا‭ ‬أمي،‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬‮٢٠‬‭ ‬عامًا‭ ‬عشتها‭ ‬لطالما‭ ‬كنتِ‭ ‬أيقونة‭ ‬التضحية‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭. ‬بسذاجتي‭ ‬وتماشيًا‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬كليشهيات‭ ‬الأمومة‭ ‬التي‭ ‬تربينا‭ ‬عليها‭ ‬وقدسية‭ ‬ست‭ ‬الحبايب‭ ‬التي‭ ‬تكمن‭ ‬الجنة‭ ‬تحت‭ ‬قدميها،‭ ‬لم‭ ‬أتفكر‭ ‬يومًا‭ ‬ولو‭ ‬لثانية‭ ‬فيكِ‭ ‬أنتِ؛‭ ‬السيدة‭ ‬قبل‭ ‬الأم‭. ‬هل‭ ‬تلبسين‭ ‬رداء‭ ‬الأم‭ ‬طوال‭ ‬الوقت؟‭ ‬هل‭ ‬يتسع‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬تريدينه‭ ‬وتحلمين‭ ‬به؟‭ ‬متى‭ ‬تشعرين‭ ‬بأريحية‭ ‬أن‭ ‬تكوني‭ ‬أنتِ،‭ ‬أن‭ ‬تفضّلي‭ ‬ذاتك‭ ‬علينا‭ ‬ولو‭ ‬لمرة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط؟‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬ثمة‭ ‬سبب‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬قد‭ ‬حال‭ ‬دون‭ ‬ذلك،‭ ‬فهل‭ ‬كان‭ ‬الأحساس‭ ‬بالذنب‭ ‬أم‭ ‬الرغبة؟‭ ‬في‭ ‬الحقيقة،‭ ‬لا‭ ‬أمتلك‭ ‬سوى‭ ‬نصف‭ ‬إجابات‭. ‬

مؤخرًا‭ ‬قرأت‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬كيف‭ ‬تلتئم‭: ‬عن‭ ‬الأمومة‭ ‬وأشباحها‮»‬‭ ‬لإيمان‭ ‬مرسال‭ ‬واصطدمت‭ ‬بالحقيقة‭ ‬المُربكة‭. ‬فجعني‭ ‬هذا‭ ‬الإدراك‭ ‬المفاجيء‭ ‬للفجوة‭ ‬الكامنة‭ ‬بين‭ ‬الصورة‭ ‬المصدرة‭ ‬للأمومة‭ ‬وماهيتها‭ ‬فعلًا‭! ‬فلمَ‭ ‬يزد‭ ‬تقديس‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬للأم‭ ‬كلما‭ ‬ضحَّت‭ ‬وعانت‭ ‬أكثر؟‭ ‬فلا‭ ‬أنتِ‭ ‬يا‭ ‬أمي‭ ‬ولا‭ ‬أيٍ‭ ‬من‭ ‬أمهات‭ ‬العالم‭ ‬يسعين‭ ‬لعناء‭ ‬الليالي‭ ‬الطويلة‭ ‬والعيون‭ ‬النصف‭ ‬نائمة،‭ ‬أنتِ‭ ‬فقط‭ ‬وبقلب‭ ‬يتسع‭ ‬العالم‭ ‬قررتِ‭ ‬أن‭ ‬تتخذيني‭ ‬شريكة‭ ‬لرحلتك‭. ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يسلبكِ‭ ‬حقك‭ ‬الكامل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تصرخي‭ ‬إن‭ ‬تعبتِ‭ ‬وأن‭ ‬تشكى‭ ‬حين‭ ‬تشعرين‭ ‬أنكِ‭ ‬لا‭ ‬تحتملين‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬أعبائي‭. ‬

أقول‭: ‬‮«‬أنتِ‭ ‬لن‭ ‬تهزميني

لن‭ ‬أكون‭ ‬بيضةً‭ ‬لتشرخيها

في‭ ‬هرولتكِ‭ ‬نحو‭ ‬العالم‭.‬

جسر‭ ‬مشاة‭ ‬تعبرينه

في‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬حياتِك

أنا‭ ‬سأدافع‭ ‬عن‭ ‬نفسي‮»‬

كانت‭ ‬تلك‭ ‬كلمات‭ ‬الشاعرة‭ ‬البولنديّة‭ ‬أنّا‭ ‬سوير‭ (‬‮١٩٠٩‬–‮١٩٨٤‬‭) ‬لابنتها‭ ‬الرضيعة‭. ‬لم‭ ‬أفهم‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬كيف‭ ‬تتحدث‭ ‬أم‭ ‬مع‭ ‬ابنتها‭ ‬بتلك‭ ‬القسوة‭. ‬لكني‭ ‬وبكل‭ ‬بساطة،‭ ‬أتفهم‭ ‬ما‭ ‬تعني‭ ‬أنّا‭ ‬بكلماتها‭ ‬تلك‭. ‬يحدث‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬تأخذنا‭ ‬التوقعاتُ‭ ‬تمامًا،‭ ‬فلا‭ ‬نعرف‭ ‬كيف‭ ‬نتصرف‭ ‬أمام‭ ‬كومة‭ ‬المشاعر‭ ‬المتخبطة‭ ‬تلك‭. ‬مؤخرًا‭ ‬شاهدتُ‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬أسبوع‭ ‬ويومين‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يحكي‭ ‬قصة‭ ‬زوجين‭ ‬يقفان‭ ‬أمام‭ ‬قرار‭ ‬الإنجاب،‭ ‬والذي‭ ‬صوّر‭ ‬بطريقة‭ ‬فريدة‭ ‬رحلة‭ ‬المشاعر‭ ‬لكل‭ ‬منهما‭. ‬أتخيل‭ ‬نفسي‭ ‬وبعد‭ ‬سنوات—من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬الآن—أمام‭ ‬هذا‭ ‬القرار،‭ ‬أرتعب‭ ‬حقًا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بهذا‭ ‬القرار‭. ‬فيا‭ ‬ماما،‭ ‬هل‭ ‬لكِ‭ ‬ألا‭ ‬تحملي‭ ‬همّي‭ ‬بعد‭ ‬الآن؟‭ ‬‮«‬ألا‭ ‬تفني‭ ‬كيانك‭ ‬في‭ ‬كياني،‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬كيان‭ ‬أي‭ ‬إنسان»؟