القافلة

معمل الحفظ يكشف اسرار ترميم الكتب النادرة بالمكتبة

تقرير: فرحة السروجي

تصوير: عمر ابو زيد

مكتبة الجامعة الأمريكية بالقاهرة عريقة، مليئة بالكتب والسجلات والتحف النادرة، تديرها فرق تتكون من أشخاص لامعين لمساعدة الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في الوصول إلى الموارد المتوفرة داخل المكتبة.

تشمل تلك الموارد مجموعة الكتب النادرة والمجموعات الخاصة التي تحتوي على عدد كبير من الكتب والخرائط والمخطوطات التاريخية والسجلات، وتعمل تلك المجموعة مع معمل الحفظ الذي يتعامل مع هذه النوادر بعناية فائقة ويحرص على الحفاظ على أي محفوظات ورقية.

أوضح محمد أبو بكر، رئيس معمل الحفظ، أن هناك ثلاث مهام رئيسية للقسم وهم: مراقبة درجة الحرارة والرطوبة كل يوم للتحكم في الجو المحيط بالمجموعات لوقف أي تدهور أو تلف، معالجة أي قطعة تالفة، والمساعدة في إقامة معارض لكل من أرشيف المكتبة ومعرض الصور.

تشكلت مجموعة كتب الجامعة من قطع تراثية نادرة في خمسينيات القرن الماضي عندما قام كيبل أرشيبالد كاميرون كريسويل، عالم الفن والهندسة المعمارية الإسلامية، ببيع مجموعته للجامعة قبل أن يُعين كعضو هيئة تدريس بعد ذلك.

كان لدى الجامعة مكتبة رائعة تضُم بعض الكتب التراثية التي تم الحصول عليها من خلال التبرعات ومجموعة كريسويل، لذلك في عام ١٩٩٢، قررت الجامعة شراء فيلا في وسط القاهرة لجمع هذه المجموعة التراثية في مكان واحد. 

يفتخر ستيفن أورغولا، العميد المساعد لمكتبة الكتب النادرة والمجموعات الخاصة، بالمجموعة التي حصلت عليها الجامعة على مر السنين ويقول أن الباحثين الأكاديميين من جميع أنحاء العالم يزورون المكتبة لخبرتها.

أوضح أورغولا، “لدينا مسؤولية الحفاظ على التراث المصري، فنحن إحدى المؤسسات الرائدة في هذا المجال، وكثيرًا ما تتصل بنا مؤسسات أخرى لنوفر كتب للمعارض”.

فازت مكتبات وتقنيات التعلم  بالجامعة بجائزة اليونسكو/جيكجي لذاكرة العالم عام ٢٠٢٢ في كوريا الجنوبية، وذلك في الثاني من سبتمبر الماضي؛ نظرًا لأعمال الحفظ التي نفذتها مكتبة الكتب النادرة والمجموعات الخاصة، والجدير بالذكر أن الجائزة التي تُقدر بثلاثين ألف دولار تُمنح كل عامين لتكريم الأفراد والمؤسسات الذين ساهموا في الحفاظ على الوثائق التراثية.

تحدث أبو بكر عن خطوات بدء عملية الترميم والحفظ، فقال أن أول خطوة هي الملاحظة والعثور على العيوب: هل هو مزق بسبب سوء الاستخدام أم أن الورق قديم هش ويجب ترميمه؟

شرح أبو بكر: “إذا كان الكتاب يحتوي على ورق هش، نحاول دعمه بورق ياباني يحتوي على ألياف قوية، يسمى بالأنسجة المُنَشَطة حراريًا، ويوجد به جانب لاصق يُنشَط بالحرارة ويستخدم لإصلاح التمزقات، فهو ورق أرشيفي لا يسبب أي ضرر أو عفونة لأن الورق خالي من الأحماض بحيث يعطي الكتاب عمر افتراضي أطول”.

ذكر أبو بكر أن عملية الترميم تعتمد على حالة الكتاب، ففي حالة تلف كتاب جديد بسبب سوء استخدام والمناولة اليدوية، تستغرق العملية ما يصل إلى نصف يوم ولكن الكتب القديمة تتطلب مزيدًا من الوقت والدقة، لأنه إلى جانب كون الورق هش، يستغرق الأمر وقتًا طويلًا لجمع أي بيانات أو صفحات مفقودة، وقد تستغرق العملية من أسبوع إلى عشرة أيام لإنجازها.

قال أبو بكر: “نحن مجموعة من أربعة أشخاص نعمل معًا في أربعة أقسام: قسم تجليد الكتب، قسم صيانة الورق، قسم اللوحات المعمارية، وقسم المجلات”.

عاطف جودة، مساعد قسم الحفظ المسؤول عن تجليد الكتب بالمعمل، شرح عملية التعامل مع الكتب المفككة، “لا بد لي من تفكيك بناء الكتاب تمامًا لكي اتمكن من إعادة بنائه مرة أخرى بشكل أقوى، فلا بد من عمل عمود فقري جديد للكتاب وخياطة كل الصفحات معًا حتى تكون بحالة جيدة ويمكن استخدام الكتاب بعد ذلك بسهولة، ثم استخدم الجلد الطبيعي لتغطية الكتب بعد الانتهاء من ترميمه”.

شارك مختار عبد العليم، مسؤول قسم الحفظ المسؤول عن ترميم المجلات، خطوات الترميم لعمل نسخ رقمية حيث أن هذه المجالات لا يُطبَع نسخ جديدة منها.

قال عبد العليم: “على الرغم من أن ورق المجلات أكثر هشاشة، إلا أنه يتلقى نفس المعاملة مثل أي كتاب، فيتم تنظيفه وإصلاحه وتغطيته ثم تحويله إلى نسخة رقمية يمكن لأي شخص الوصول إليها عبر الإنترنت”.

وضح كرم مهدي، مساعد قسم الحفظ المسؤول عن اللوحات المعمارية، الخطوات التي يتخذها في عملية الترميم: “أزيل أي شريط قديم باستخدام الأسيتون النقي، واستخدم الورق الياباني لإصلاح أي تمزقات قبل أن استكمل الأجزاء المفقودة باللوحة، ثم أغلف اللوحة المعمارية للحفاظ على سلامتها لفترة طويلة، وأخيرًا تذهب إلى مركز الرقمنة حتى يتمكن الطلاب وأعضاء هيئة التدريس من الوصول إليها”.

يعمل حاليًا قسم الحفظ على ترميم كتاب يضم أربع مجلدات في المجموعة، وقد يستغرق كل مجلد ما يصل إلى عشرة أيام حتى يُعالج ويُرمم بالكامل، وقسم الحفظ مطالب بتوثيق عملية المعالجة والمنتج النهائي. 

وصف أبو بكر، “أولاً، نبدأ بتوثيق حالة الكتاب بعدها ننظف الصفحات بالمكنسة الكهربائية، ثم نعيد ربط الكتاب معًا قبل تشذيبه بسبب الحواف المحترقة، لذلك يفقد حوالي ٢ مم من حجمه”.

على الرغم من فوز الجامعة بجائزة اليونسكو/جيكجي، لا يزال بعض الطلاب غير مدركين للكنز الذي يقع تحت أيديهم، حيث صرح بنجامين كارتر، مدرس ورئيس قسم الأبحاث والتعليم بالجامعة، عن صدمته من قلة عدد الطلاب المستفيدين مما تقدمه مكتبة الجامعة. 

أعرب كارتر: “ما أثار تعجبي هو أن كثير من الطلاب لا يفكرون في الذهاب إلى مكتبة الكتب النادرة والمجموعات الخاصة، إنه حقًا مكان مهجور على الرغم من أن لديهم الكثير من البيانات والأبحاث المفيدة، ولكن الكثير ليس على علم بذلك رغم أن المكتبة تعد أكثر الموارد قيمة وأهمية ولكنها لا تحظى بالتقدير في الوقت ذاته”.

كل ما يتعين على الطلاب فعله هو التواصل مع هيئة التدريس بالمكتبة للعثور على كل المساعدة التي يحتاجونها حيث وضح كارتر: “لا يستفيد الطلاب من المكتبة، ولكنني أعلم أن الطالب سيستفيد إذا تواصل معي أو مع شخص مثلي في هذا القسم لمساعدتهم في عملهم، فالموظفون هنا ودودون ومتعاونون، وعملنا الرئيسي هنا هو مساعدة الطلاب”.

أوضح أورغولا أن جزءًا كبير من مسؤوليته هو دعم التدريس والتعلم في الجامعة، بمعنى دعم أعضاء هيئة التدريس والطلاب في كل الفصول الدراسية خاصة في أبحاثهم، مثلما يفعل طلاب برنامج التصميم الجرافيكي الذين يأتون للنظر في المجلات التاريخية ومعرفة كيف تغير تصميم المطبوعات على مر السنين. 

شرح أورغولا: “طلاب قسم التصميم الجرافيكي نظروا إلى تاريخ النشر في مصر باستخدام المجلات التاريخية والموارد الأخرى ثم طوروا منشوراتهم الخاصة، وتم عرض النتائج بمعرض المكتبة الذي بدأ يوم ٢٦ أكتوبر ومستمر حتى آخر أيام شهر ديسمبر”.