Home PageOpinion

ضمير أخضر

كتابة: عائشة الجعيد

.مبكرًا، في أحد صباحات شبه الجزيرة العربية المشمسة، كنت أختتم رحلتي التي دامت لأسبوع في دبي بالتجول في أحد أكبر مراكز التسوق

.بعد امتلاء عربتي بمختلف الأنواع من مأكولات وهدايا اللحظة الأخيرة، كنت أبحث عن أقل الطوابير ازدحامًا لأحاسب على مشترياتي وأنطلق إلى المطار

ألقيت نظرة سريعة فوجدت محاسبة تبتسم لي من بعيد وتشير لي بأن أقترب، دفعت الحساب كاملًا وفيما كنت أنتظر تعبئة مشترياتي في الأكياس البلاستيكية اعتذرت قائلة: “هذه الخانة مخصصة لمن لا يستخدمون الأكياس البلاستيكية، إذا كنتِ لا تملكين حقيبة قماشية يمكنكِ شراء واحدة”، وأشارت إلى لافتة خضراء تحمل نفس الملحوظة لم أكن قد انتبهت لها

اشتريت بالفعل أحد الحقائب التي تحمل اسم المتجر، حشرت أغراضي فيها وغادرت مسرعة أعاني من وزنها الثقيل ولا أطيق صبرًا لأرمي بها على مقعد سيارة الأجرة التي تنتظرني خارج المركز الضخم

خلفي مباشرة كانت تنتظر أم برفقة طفليها، أخرجت من حقيبة يدها شنطتين قماشيتين يدوية الصنع وناولتهما إياها، كان يبدو أن الطفلان معتادان على هذه الخانة وهذا التصرف، في هدوء وسرعة كانا ينجزان مهمتهما

طوال الطريق كنت أفكر، هل هذه مجرد حيلة تسويقية للتربّح من بيع الشنط القماشية والترويج لماركة المتجر؟ أم هي نية حقيقية للحفاظ على البيئة؟ توصلت إلى أن الأمر اختياري بالكامل، يمكنك كمستهلك أن تنتظر في الطوابير الطويلة لتنهك البيئة بعشرات الأكياس من البلاستيك التي ينتهي بها الأمر غالبًا وراء باب المطبخ إلى أن يشاء الله، ويمكنك أيضًا أن تتفادى هذا بتدريب نفسك بل وأطفالك على سلوك أكثر تحضّرًا وتوفيرًا ووعيًا بالمسؤولية تجاه هذه الأرض التي نتشاركها جميعًا ولا نستوعب أن لها طاقة احتمال إذا انتهت ستشملنا العواقب بلا استثناءات

منذ ذلك اليوم وأنا أحاول ترويض نفسي على عدم نسيان حقائبي القماشية كلما خرجت للتسوق، وفي كل مرة أقول للمحاسب أنني لا أحتاج للأكياس كان ينظر لي بدهشة بالرغم من أن بعض مراكز التسوق الأكثر شهرة توفر خيار الحقائب القماشية التي تحمل شعارها لمن يريد ولكن ليس هناك خانات حساب مخصصة

في كل مرة أعود بلا أكياس بلاستيكية كان يغمرني شعور بالرضا أنني من أولئك الأشخاص الذين وإن شملتهم العواقب فإنهم الأقل إسهامًا في الانتهاكات اليومية التي تطول البيئة

كان شعور الرضا يكبر معي كلما اتخذت قرارًا جديدًا مثل قرار إعادة تدوير ملابسي القديمة، وهي عملية لا تُكلل دائمًا بالنجاح ولكنني أحاول بمساعدة بعض خبيرات الموضة على اليوتيوب، قرار زرع بلكونة شقتي بشجيرات الورد التي أطلقت عليها أسماء المفضلين الذين غادروا الحياة، قرار تقليص مشترياتي لحقائب اليد إلى حقيبتين قماشيتين أو ما يطلق عليها حاليًا (Tote Bags) وتفادي المواد المُصنّعة التي تستخدمها معظم الماركات ذات السعر المناسب، ناهيك عن حقائب ومعاطف الجلد والفراء الطبيعي الذي تستخدمه الماركات الغالية والتي غالبًا ما تنتهك حقوق الحيوانات؛ والتي إن لم تُسلخ تضطر لقضاء الشتاء البارد بلا فرائها الذي يستقر في دولابنا وينتظر إخراجه في المناسبات المهمة

بالنسبة لي، هذه التغييرات تدخل ضمن رحلة الوعي والتعافي ولا تقل أهمية عن الوعي بصحتي النفسية والمبادئ والقضايا العادلة التي تشغل ضميرنا وتجعله يحركنا، بعد سنوات طويلة !شعرت لأول مرة أن ضميري يتّشح بالأخضر