القافلة

الزلزال الكبير يهدد تركيا وسوريا

تقرير: محمد لؤي حريري وياسمين مرسي

تحرير: ماسة أحمد

الصورة من موقع: CNBC

لم يكن فجر السادس من فبراير فجرًا عاديًا لسكان سوريا وتركيا، فقد ضرب الأرض زلزال شديد بقوة قدّرها المختصون بـ ٧.٨ على مقياس ريختر، وتعد مناطق جنوب تركيا وشمال سوريا والساحل الشرقي للبحر المتوسط هي أكثر الأماكن تضرراً بالهزات، بينما شعرت بها دول أخرى مثل لبنان والأردن وفلسطين والعراق وقبرص واليونان ومصر وغيرها، ولكن دون وقوع أضرار أو خسائر بالارواح بحسب صحيفة الحدث.

كما أطلعنا الدكتور أحمد عبد الحليم مصطفى، أستاذ مساعد في كلية العلوم قسم الجيولوجيا في جامعة القاهرة أن الزلازل هي حركات  أرضية طبيعية تنشأ عن تحرك القارات أو بمعنى أصح الصفائح القارية، وقد ساهمت في تشكيل الأرض على شكلها الحالي.

كانت القشرة الأرضية قبل خمسمائة مليون سنة كتلة واحدة تشققت وشكلت القارات التي نعرفها اليوم، ففي الأزمنة القديمة من عمر الأرض كانت الزلازل أعنف بكثير مما هي عليه الآن، وقد كان زلزال تشيلي في الستينيات من أقوى الزلازل في المعاصرة إذ سجل ٩.٥ على مقياس ريختر.

على الرغم من اعتبار علماء الجيولوجيا والأرض الهزات الأرضية ظواهر طبيعية، إلا أنها بالطبع ليست كذلك في عيون من شاهدوها عيانًا. 

“كان أول الليل هادئا باردًا كأي ليلة من ليالي حلب في هذا الشهر، قبل ليلتين كانت تثلج إلا أن الثلج لم يبقَ وبقي صقيعه، وفي ليلتنا تلك أوينا إلى الفراش بشكل طبيعي، لم نكن نعلم أننا سنمضي باقي الليلة في الشوارع، وأن بعضنا سيمضيها تحت الركام”، كانت هذه شهادة السيد عامر محمد صبحي ذو الستون عاماً أحد سكان حلب ممن عانوا من الزلزال والذي تمكنا من التواصل معه عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

أضاف صبحي : “عندما ضربت الهزة الأولى، اهتر بيتنا وبدا وكأن كل ما هو معلق على السقف والحيطان من ثريّات ومراوح ولوحات على وشك السقوط، جمد الدم في عروقنا لوهلة، وترامت إلى آذاننا أصوات الذعر الصادرة من الخارج، قالوا أن الهزة الأولى لم تدم طويلاً إلا أننا شعرنا أنها دامت لأكثر من 10 دقائق فتلك ليست كقصف الطائرات وضرب المدفعية التي اعتدنا على سماعها طوال  الأعوام الفائتة، سمعنا من ينادي بضرورة الخروج من المنزل والهرب إلى الأماكن المفتوحة البعيدة عن العمران ففعلنا، لم نأخذ معنا إلا القليل من متاعنا وأمضينا باقي الليلة في السيارات  والشوارع نرتجف من البرد ونرتقب بخوف، وكانت وتتردد بين الفترة و الأخرى إشاعات عن أن الهزات لن تتوقف”.

كانت هذه تجربة شخص واحد من آلاف الأشخاص، أما عن الصورة الكبرى فإن عدد القتلى تخطى في البلدين المتضررين عتبة الأربعين ألف بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية، وما تزال عمليات البحث تحت الأنقاض نشطة في بعض المناطق حيث استطاع عاملو الدفاع المدني انتشال عدد من الأشخاص ما يزالون على قيد الحياة، بعضهم قضى أكثر من 200 ساعة تحت الركام، كان الأمر أشبه بمعجزة كما وصفه أحد رجال الدفاع المدني التركي في لقاء له مع مراسل قناة العربية. 

بالإضافة إلى خسائر الأرواح، فإن الخسارة في البنية التحتية للبلدين كانت فادحة ومروعة. فالكثير من القرى والبلدات سوّيت في الأرض فلم يعد فيها إلا عدد قليل من الأبنية المتصدعة، وبالإضافة إلى آلاف الأبنية المهدمة، فإن الكثير من الأبنية الواقفة أصبحت غير صالحة للسكن مما دفع الهيئات الهندسية والمدنية في البلدين إلى إجراء تفتيش وكتابة تقارير عن مدى صلاحية الأبنية للاستخدام، ولا تزال  عمليات فحص الأبنية جارية إلى الآن، وعلى حد تعبير الرئيس التركي رجب أردوغان فإن هذه الكارثة هي “كارثة القرن”.

على الرغم من أن دولة تركيا هي المتضرر الأكبر من هذه الكارثة، إلا أن الوضع في سوريا لم يكن أهوَن، فسوريا بلد رزح تحت وطأة حرب أهلية اشتعلت منذ عام ٢٠١١ ولم تخمد نيرانها إلى الآن، وكان نتيجتها مئات الآلاف من الضحايا وتدمير هائل طال مختلف أنحاء البلاد وتهجير المواطنين خارجيًا وداخليًا.

عن الوضع في سوريا، حدثنا الدكتور عمرو عدلي، أستاذ مساعد في قسم العلوم السياسية  بالجامعة عن الوضع الحالي: “هناك تقديرات أن الحرب الأهلية قد تسببت في تدمير نحو ٤٠٪ من البنية الأساسية في سوريا، وعقب نجاح النظام السوري في استعادة السيطرة على مساحات كبيرة من البلاد بدعم روسيا وإيران، فرضت الولايات المتحدة عقوبات دولية قاسية على النظام بغرض محاصرته وإضعافه وهو ما أدى إلى تفاقم الكثير من المشكلات التي يواجهها الاقتصاد من تضخم وبطالة وبالتالي إبطاء التعافي الاقتصادي بعد انتهاء الصراع المسلح”.

ركز عدلي في حواره معنا على قانون قيصر الذي تخضع له سوريا قائلاً: “يستهدف قانون قيصر عزل النظام السوري ووضع الضغط عليه من خلال وضع قيود شديدة على استخدام الدولار الأمريكي في التجارة، وأدى هذا إلى التضييق من العلاقات التجارية، وقصرها على أشكال من المقايضة مع إيران وروسيا، وهي نفسها دول خاضعة لعقوبات مشددة من الغرب، بالإضافة إلى هذا أن المنفذ الأساسي لشمال غرب سوريا الخارجة عن سيطرة النظام السوري هو عبر تركيا، وهي بلد أشد تضرراً من الزلزال”.

بناء عليه فقد سارعت دول ومؤسسات خيرية بتقديم يد العون لمحاولة إعادة الإعمار، وكان على رأسها الجزائر حيث كانت أول طائرة للمعونات هبطت في مطار دمشق تحمل علم الجزائر، كما أقامت السلطات العراقية جسراً جوياً بين مطار بغداد ودمشق، وأعلنت قطر عن دعم السكان الذين فقدوا بيوتهم بالوحدات السكنية المتنقلة التي استضافت بها دولة قطر الوفود العالمية لحضور كأس العالم الذي أقيم على أرضها آخر العام المنصرم.

ومع هذا، تشير التقديرات إلى أن حجم المساعدة المقدمة لا يغطي الخسائر المهولة هذا إلى جانب التعقيدات اللوجستية والعقوبات المفروضة. 

لكن يبقى الأمل  موجودًا، فما تزال أفواج المساعدات تأتي إلى المتضررين، وأيضاً فإن القيود التي فرضها الغرب على النظام السوري والتي كان الشعب السوري هو الأكثر تضرراً منها شهدت انفراجاً -ولو جزئياً- إثر الهزات الأرضية. فهل تكون هذه الكارثة المدمرة بداية فرج قريب على الشعب السوري بعد سني حربه الطويلة؟