Opinionالقافلة

من السويس للدائري للمحور والمشير

كتبت‭: ‬جيداء‭ ‬طه

رئيسة‭ ‬التحرير‭ ‬السابقة

أستيقظ‭ ‬كل‭ ‬صباح‭ ‬بنفس‭ ‬ذات‭ ‬الهدف‭ ‬والنية‭ … ‬بث‭ ‬الطاقة‭ ‬الايجابية‭ ‬للمجتمع،‭ ‬منتظرة‭  ‬أن‭ ‬يطولني‭ ‬بعضًا‭ ‬منها‭. ‬

أركب‭ ‬السيارة‭ ‬وأحاول‭ ‬بقدر‭ ‬الامكان‭ ‬أن‭ ‬أقدر‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إيجابي‭ ‬من‭ ‬حولي،‭ ‬فأتأمل‭ ‬في‭ ‬ابتسامة‭ ‬طفل‭ ‬صغير‭ ‬يعبر‭ ‬الشارع‭ ‬متشبثًا‭ ‬بذراع‭ ‬والديه‭ ‬أو‭ ‬أتعاطف‭ ‬مع‭ ‬فتاة‭  ‬لازالت‭ ‬تكمل‭ ‬فطورها‭ ‬وهي‭ ‬خلف‭ ‬“الديركسيون“‭ ‬وأنبهر‭ ‬بضحكة‭ ‬رجل‭ ‬عجوز‭ ‬يريد‭ ‬اضحاك‭ ‬من‭ ‬حوله‭.‬

أنتقل‭ ‬بكل‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬فقاعة‭ ‬زهرية‭ ‬من‭ ‬تقدير‭ ‬كل‭ ‬شئ‭ ‬يربطنا‭ ‬بإنسانيتنا‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬بسيطًا‭.‬

‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬صوت‭ ‬زمير‭ ‬إحدى‭ ‬السيارات‭ ‬المزعج‭ ‬ليخترق‭ ‬فقاعتي‭ ‬ويعيدني‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬الشارع‭ ‬الغير‭ ‬محتمل‭ ‬ويمحي‭ ‬كل‭ ‬النوايا‭ ‬الحسنة‭.‬

كأن‭ ‬شخصا‭ ‬ما‭ ‬قام‭ ‬بكبس‭ ‬زر‭ ‬ليتحول‭ ‬مزاجي‭ ‬من‭ ‬مرحب‭ ‬بالعالم‭ ‬للعكس‭ ‬تمامًا‭. ‬كم‭ ‬المهازل‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬يوميًا‭ ‬على‭ ‬الطريق‭ ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬ولا‭ ‬تحصى،‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الالتزام‭ ‬بحارات‭ ‬الطرق‭ ‬أو‭ ‬السرعة‭ ‬المفرطة‭ ‬أو‭ ‬سائقى‭ ‬الموتوسيكلات‭ ‬الطائشين‭.‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬المشاكل‭ ‬شبه‭ ‬اعتدنا‭ ‬عليها‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬نسأل‭ ‬أنفسنا‭ ‬لماذا‭ ‬تنحدر‭ ‬أخلاقنا‭ ‬عند‭ ‬القيادة؟‭ ‬ولماذا‭ ‬نفقد‭ ‬صوابنا‭ ‬بمجرد‭ ‬الجلوس‭ ‬خلف‭ ‬الديركسيون؟

‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬ننكر‭ ‬تغيير‭ ‬القيادة‭ ‬للشخصيات‭ ‬و‭ ‬كأن‭ ‬جدار‭ ‬السيارة‭ ‬عازل‭ ‬لأية‭ ‬ذوقيات‭ ‬أو‭ ‬أخلاقيات‭. ‬

أتذكر‭ ‬كيف‭ ‬وصفت‭ ‬أستاذة‭ ‬القيادة‭ ‬خاصتي‭ ‬ذلك‭ ‬بالماضي‭ ‬قائلة،‭ ‬‮«‬هي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬شتايم‭ ‬متبادلة،‭ ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬مشتركتش‭ ‬معاهم،‭ ‬هتلاقوا‭ ‬قدامكم‭ ‬اثنين‭ ‬بيشتموا‭ ‬بعض‭ ‬عادي‭.‬‮»‬

انطبق‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬في‭ ‬الشخصية‭ ‬علي،‭ ‬ففي‭ ‬الطبيعي‭ ‬لست‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬يستعجل‭ ‬الآخرون‭ ‬ليتحركوا‭ ‬أسرع‭ ‬أو‭ ‬الذي‭ ‬يلوح‭ ‬بيده‭ ‬عندما‭ ‬يخطأ‭ ‬فيه‭ ‬البعض‭.‬

ولكن‭ ‬الآن،‭ ‬وبعد‭ ‬تقريبا‭ ‬خمسة‭ ‬أعوام‭ ‬من‭ ‬القيادة‭ ‬أجد‭ ‬نفسي‭ ‬تلقائيا‭ ‬أثور‭ ‬بدرجة‭ ‬زائدة‭ ‬عندما‭ ‬تخترق‭ ‬سيارة‭ ‬أخرى‭ ‬طريقي‭ ‬أو‭ ‬فجأة‭ ‬يقرر‭ ‬أحد‭ ‬المشاة‭ ‬القفز‭ ‬أمامي‭ ‬بدون‭ ‬سابق‭ ‬انذار،‭ ‬مع‭ ‬أنني‭ ‬أعلم‭ ‬أنني‭ ‬خارج‭ ‬سيارتي‭ ‬لن‭ ‬أتأثر‭ ‬بنفس‭ ‬تلك‭ ‬الدرجة‭.‬

أتفهم‭ ‬جيدا‭ ‬سبب‭ ‬الغضب‭ ‬عند‭ ‬القيادة،‭ ‬فالوضع‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬موتر‭ ‬حيث‭ ‬أننا‭ ‬جميعًا‭ ‬معرضين‭ ‬لحوادث‭ ‬السير‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬جزء‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬هوية‭ ‬الشارع‭ ‬المصري‭. ‬

ليست‭ ‬السلامة‭ ‬وحدها‭ ‬العامل‭ ‬الذي‭ ‬يثير‭ ‬جنوننا،‭ ‬بل‭ ‬محاولة‭ ‬الالتزام‭ ‬بمواعيدنا‭ ‬المحددة‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬عرف‭ ‬المجتمع‭ ‬هو‭ ‬التأخير‭. ‬

فكيف‭ ‬أحدد‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬أحتاجه‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬ما‭ ‬يستغرق‭ ‬مني‭ ‬ستة‭ ‬وعشرين‭ ‬دقيقة‭ ‬تارة‭ ‬وتارة‭ ‬أخرى‭ ‬يستغرق‭ ‬أربعين‭ ‬دقيقة‭ ‬؟‭!‬

هذا‭ ‬غير‭ ‬حالات‭ ‬الناس‭ ‬التي‭ ‬تفرغ‭ ‬طاقتها‭ ‬الغاضبة‭ ‬من‭ ‬أعباء‭ ‬الحياة‭ ‬على‭ ‬الشارع،‭ ‬فنجد‭ ‬العصبية‭ ‬المبالغة‭ ‬والألفاظ‭ ‬الغير‭ ‬مقبولة‭ ‬والزمير‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭. ‬وحتى‭ ‬هؤلاء‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬تصرفاتهم،‭ ‬فهم‭ ‬معذورون‭. ‬

فالمسئوليات‭ ‬وضغط‭ ‬الحياة‭ ‬حملا‭ ‬ثقيلا‭ ‬لا‭ ‬يتعامل‭ ‬الجميع‭ ‬معه‭ ‬بنفس‭ ‬الطريقة‭.‬

أكتب‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬وأنا‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬النزول‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الشارع‭ ‬اللطيف،‭ ‬ولكن‭ ‬اليوم‭ ‬سأحاول‭ (‬أكرر‭ ‬سأحاول‭) ‬أن‭ ‬أجد‭ ‬الأعذار‭ ‬للسائقين،‭ ‬متمنية‭ ‬أن‭ ‬نصبح‭ ‬يومًا‭ ‬ما‭ ‬شعبًا‭ ‬أكثر‭ ‬تحضرًا‭ ‬بنظام‭ ‬أدق‭ ‬لا‭ ‬يضطر‭ ‬فيه‭ ‬البعض‭ ‬تفريغ‭ ‬إحباطهم‭ ‬على‭ ‬الآخرين،‭ ‬وأن‭ ‬يتفهم‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬حدوث‭ ‬ذلك‭. ‬