FeaturedHome PageOpinion

اليوم الثامن: فصبر جميل والله المستعان

في السابع والعشرين من شهر مارس، تم فرض حظر التجوال في جميع أنحاء الجمهورية للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد. يعم الهدوء في جميع أنحاء البلد من الساعة السادسة مساءًا حتى السادسة صباحًا في اليوم التالي

القصص التي نشاركها معكم هي قصص رواها أعضاء مجتمع الجامعة الأمريكية يعبرون عن كل ما يشعرون به إثر فيروس كورونا المستجد وكل الإجراءات الاحترازية التي تتخذها البلاد،ليخبروا الجميع كيف يقضون يومهم أثناء العزل المنزلي وعن تجربتهم مع التعلم عن بعد

في تلك الفترة، نود أن نوثق كل يوم وكل لحظة نمر بها، لذلك نرغب في أن نستمع إلى مجتمع الجامعة كله من الطلاب إلى أعضاء هيئة التدريس

إن كنت ترغب في مشاركة قصتك معنا، راسلنا على

caravannews@aucegypt.edu

عدد الإصابات في العالم: ١،٠٣٩،٩٢٢
عدد الوفيات في العالم: ٥٥،١٧٠
عدد الإصابات في مصر: ٩٨٥
عدد الوفيات في مصر: ٦٦

كتبت: مريم البرنس

طالبة قسم التاريخ ومحررة سابقة في القافلة

.منذ أتممت اليوم الرابع عشر في الحجر المنزلي الذي فرضته على نفسي… توقفت عن العد

يوم جديد، قد يشبه ما قبله في النظام والمخططات، لكني أوقن أنه لا يشبهه في الأحداث والمستجدات. فعلى عكس الفكرة المأخوذة عن الوضع الحالي، هو أبعد ما يكون عن الملل، بل هو نقيض الملل. كل يوم يطرأ جديد في الوضع العالمي صحيًا وسياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، إننا لا كذب نحيا فترة انصهار النظام العالمي الذي عرفناه سنين عددًا ونشهد بزوغ عالم جديد بترتيب مختلف للقوى العظمى ولكن الأهم أننا نحن، نولد من جديد.. رويدًا رويدًا

اليوم كعادتي استيقظت لأقضي الخمس دقائق الأولى أحدّث نفسي أن هذا ليس كابوسًا وأنه بالفعل نحن نحيا في وقت الجائحة. أحاول تطبيق دراستي عمليًا فأذكِّر نفسي بحوادث الدنيا في العصور الغابرة بل والحديثة نسبيًا: “لسنا الأولون، يا مريم، ولسنا الآخرون كذلك. فهوّني على نفسك. إن مع العسر يسرًا.” ولكن أعود لأقول أنه لو حيينا ألف سنة نعتبر من قصص الأولين ستظل التجربة شيئًا آخر، فربما تلك القصص والحوادث اليوم ليست الأولى من نوعها، لكن العنصر الجديد في القصة هو نحن ولذلك كانت على مشاعرنا وردود فعلنا أن تكون مثلنا.. غرّة وجديدة، فكل أو أغلب من حيا ظروفًا مماثلة لم يعد بيننا، ونحن المحدثون .. وحدنا في هذا 

لربما كنتُ في حالة إنكار للواقع في الأيام الأولى إذ كنت أتبادل وأصحابي النكات وآمال العودة القريبة، ولكن عودة الدراسة إلكترونيًا أعيتني بالحقيقة. لا جرم كل هذا حقيقي، إنني أراهم من خلف الشاشات مُرغمة وإني وإياهم فعلًا لا ندري بماذا يأتينا الغد. لأول مرّة مصائرنا واحدة ومرهونة ببعضنا البعض رغم أننا نتحادث من وراء حجاب ولا نملك من بعضنا دنوًا، بينما ونحن جنبًا لجنب كنا نحسب أن الكون يدور في فلك كل منا على حدة

مع كل كلمة “عاجل” التي تتصدر الشاشة بغتة، مع كل تحديث لإحدى مواقع التواصل الإجتماعي، مع كل رسالة جديدة من الجامعة، مع كل مزحة سخيفة عن نهاية العالم، مع كل تجمّع بشري غير ضروري أخرق جاهل، مع كل خبر كاذب مُتقَن كان أو رديء، مع كل بيان لوزارة الصحة المصرية في هذه الصورة الزرقاء ذات الدوائر البيضاء الصغيرة التي نخشى كل يوم أن تتسع أكثر.. يضيق صدري وينقبض

تغيّرت أولوياتي وبالتبعية عاداتي اليومية. بعد أن كنت شخصًا معتدلاً أصابني، كما أعرف أنه أصاب العديد، شيء يشبه الوسواس القهري. أفكِّر ألف مرّة قبل أن ألتقط هذا، قبل أن آكل ذاك، قبل أن أخرج، قبل أن أحيي العائد من الخارج، قبل أن أزيل الصابون من على يدي إذ تمضي عشرون ثانية. أصبحتُ أبحث في التلفاز عن تلك الأفلام أو المسرحيات الكوميدية وإن قلَّت جودتها، وعلى الرغم من نزوعي للهدوء في معظم الوقت، أصبحت أبحث عن الصخب والضوضاء دومًا ساعية لإسكات خَلدي المزدحم المضطرب عسى أخلد للنوم 

ولكن رغم كل هذا، لا أظن أنني عرفتُ معنى السلام إلا اليوم. ما بين الجزع والرجاء وجدّت السكينة التي يتخللها الأول بينما يحدوها الأخير. هي الحياة اختارت أن نحياها بكل صورها وأرغمتنا أن نحدق في كلا وجهيها: المنبسط والمكفهر، ولله الأمر. إنني لست أفتش عن دروس مستفادة أو جانب مشرق، إنني أحاول فقط أن أنصت بحذر لكيلا يفوتني من المعنى ولو بضعًا. في عدة أسابيع، بلونا الحياة كما نسمع عنها ونقرأ، وجلنا وآملنا واطمئننا وجزعنا وضحكنا وبكينا واعتبرنا وضللنا وذكرنا ونسينا وسكنّا ثم هلعنا. ودومًا أسائل نفسي، هل استفقنا؟ أنا لا أريد أن يمر كل هذا عبثًا، لا أريد أن نعبر منها كما ولجناها، وأظن أنها أيضًا تأبى إلا أن تؤدبنا

في هذه الأيام، أُفكِّر كثيرًا في مخططات ما بعد الأزمة، في كم أشتاق لجدتي وأصدقائي والجامعة، في فستان التخرّج الذي لشدة حماسي ابتعته منذ شهرين وأطمع أن أرتديه. أفكر كثيرًا في ردود أفعال الناس بين ساخط ويائس وقانع وآمل وهادئ ومرتاع ومُبشِّر ومُنفِّر ومن يصرعلى إقحام السياسة ومن يصر على الابتداع في الدين ومن يصر على كليهما. أُفكِّر أيضًا في قِلّة حيلتنا ووهن مساعينا أمام المجهول فأزداد يقينًا على يقيني أنه ليس لها من دون الله كاشفة

أنظر في الأخير للشاشة مرّة أخرى، وأرى ما يمر به العالم ثم أتأمل كيف تنازع مصر كعادتها الزمن والأزمة في صبر وإيمان وخشوع مهيب… فيجيئني هاتف من حيث أجهل أنها تنكشف عما قريب. فصبر جميل.. والله المستعان

For The Caravan’s previous diary entries in Arabic and English go to our COVID-19 Special Coverage page.